هذه التحفة الفنية التي سحرت العالم بهندستها وزخرفتها وغناها، بُنَيت في مدينة القسطنطينية (اسطنبول حالياً)، فجمعت بين السلطة الإمبراطورية الرومانية والتقليد المسيحي الشرقي. فبقيت لمدة تسعمئة وست عشرة سنةً كنيسةً، وجامعاً لمدة أربعمئة وإحدى وثمانين سنةً، حيث حُوّلت عام 1935 إلى متحف. ويُعُتَبَر هذا البناء من أهم متاحف التاريخ الفنية.
وكان الإمبراطور قسطنطين الكبير (274-337) م ابن القديسة هيلانة (247 -327) م، هو أول من بدأ في بناء هذه الكنيسة سنة 330 م. تعرّضت للحريق عام 404 م، فأمر الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني (408-450) م بإعادة بنائها ودشّنها عام 415 م. وتعرّضت مرّة ثانية للحريق عام 532 م، فقرّر الإمبراطور جوستنيان الأول (483 -565) م، تشييد كنيسة مكانها، ودشنها البطريرك ميناس عام 537 م وأسماها “آيا صوفيا” (آجيا صوفيا)، أي الحكمة المقدسة نسبة للقديسة صوفيا (St.Sophia). تبلغ مساحتها الإجمالية 10000 م2. نشاهد لوحات الفسيفساء الرائعة التي تُمَثَّل لوحات للقديسين مع الأباطرة:
هناك تسعة أبواب تقود إلى صحن الكنيسة، الثلاثة الوسطى منها مخصّصة لدخول الإمبراطور، ولا يُستَخدم اليوم سوى بابين من خشب السنديان المُزَيَّن بالبرونز.
القبّة: مدعّمة بالأعمدة والأقواس، وبلغ مجموع النوافذ سبعين نافذة تؤمّن الضوء للكنيسة بشكل ممتاز، حيث تدخل أشعة الشمس لتضفي رونقاً أخّاذاً. يبلغ ارتفاع القبة اثنين وستين متراً.
استقدم الرخام الملوَّن المستخدم في بنائها من كل أرجاء الإمبراطورية، وعدد الأعمدة يزيد عن مئة وسبعة. وهناك ظاهرة لا بدّ من الإشارة إليها في القسم الشمالي الغربي من الكنيسة في أحد الأعمدة المربّعة المصنوعة من الرخام الأبيض. هي ظاهرة تعرّق هذا العمود صيفاً وشتاءً.
في العهد العثماني: إن نقطة التحوّل الأساسية في تاريخ الكنيسة وقعت يوم الثلاثاء في 29 أيار 1453م، وفي عهد آخر الأباطرة الرومانيين باليولوغس (1405-1453) م. حيث قُتِل في دفاعه عن مدينة القسطنطينية فدخلها السلطان العثماني محمد الثاني (الفاتح) محتلّاً، وتوجَّه مع مَن معه إلى كنيسة “آجيا صوفيا” أوّلاً، فأبهره فخامة المبنى فقال: فلتحوّل إلى جامع لصلاة أول جمعة فيها.
في عهد الجمهورية التركية: تم إعلان قيام الجمهورية التركية في 29 تشرن الأول 1923، برئاسة مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938) م، وإنهاء الحكم العثماني، فنقل العاصمة إلى أنقرة. وفي عام 1935 م أصدر قراراً يحوّل بموجبه مسجد “آجيا صوفيا” إلى متحف، يضم كنوزاً مسيحية وإسلامية.
قداس إلهي في كنيسة “آجيا صوفيا”: بتاريخ 17 أيار 2010 وخلال مؤتمر صحفي في تسالونيك للأميركي كريس سبيرو رئيس الجمعية العالمية لكنيسة الحكمة المقدسة “آجيا صوفيا”، أعلن بأنه ستُقام رحلة حجّ في السابع عشر من شهر أيلول 2010 -الذي يُصادف عيد القديسة صوفيا-إلى كنيسة “آجيا صوفيا” في إسطنبول. وخلال هذه الزيارة ستُقام خدمة القدّاس الإلهي لأوّل مرّة بعد 557 سنةً.
ومؤخراً أصدر رئيس تركيا رجب طيب أردوغان مرسوماً بتاريخ 10تموز 2020 بتحويل كنيسة “آجيا صوفيا” من متحف إلى مسجد. وأقيمت أول صلاة فيها منذ ستة وثمانين عاماً يوم الجمعة 24 تموز 2020 م، بحضور رجب طيب أردوغان. ولوحظ تشويه جميع الصور واللوحات الدينية.
المهندس جورج فارس رباحية
اترك تعليقاً