قراءتي لنقش لوحة أرضية كنيسة فركيا (انظر الخريطة المرفقة التي تبين موقع فركيا) التي كانت معروضةً على أرضية متحف معرّة النعمان، وأخشى إنها لَمْ تسلَمْ من عواقب الحرب والتدمير؟
يجدر الذِّكرْ إنَّهُ لَدَيَّ حول هذه اللوحة إشكالية هامة، بل مفارقةَ؟ْ! لافتة تميّزها عن باقي لوحات أرضيّات بقية الكنائس المكتشفة في سورية وغير سورية حتى الآن سأوضِحُها فيما يلي. ومِنْ نافِلِ القول إنها لَم تَسْتَرْعِ انتباه أحدٍ من العلماء أو الدارسين أو الباحثين؟! وهنا أضَعُ العديد من علامات الاستفهام والتعجُّبْ من ذلك.
المفاجأة، بل والمفارَقة التي تستدعي وتسْتَحْضِر التعَجُّب بالنسبة للعقل العارِفْ بالأمور، هي احتواؤها على لوحة تمثل الأسطورة الرومانية “الوثنية”، وهي كنيسةٌ “مسيحية”، التي تقول إن الذِّئبة لوﭘـا كاﭘيتولينا أرضَعَتْ “رويموس ورومولوس”. هذه الأسطورة تروي كيف إن الإمبرطور الأول على روما رومولوس (حوالي 771 إلى 717 ق.م.) وريموس (حوالي 771 إلى 753 ق.م.) هما مؤسسا روما اللذان أرضَعَتْهُما الذِّئبة حسب التقاليد. وهما أخوان توأمان في الميثولوجيا الرومانية أمهما الكاهنة ريا سيلﭭيا والأب مارس إله الحرب. (وهذه المعلومة تأتينا من تاريخ ﭘلوتارخ).
ويبقى السؤال، وهنا بيتُ القصيد فيما هدّفْتُ إليه في منشوري اليوم: ” ماهي دواعي ظهور هذه اللوحة الوثنية في أرضية كنيسة مسيحية يُفْتَرَض أن تُعادي، مِنْ حيث المبدأ، الوثنية والفكر الوثني أو لا تعترف بالوثنية على أقل تقدير؟!”. هذا من ناحية، ومِنْ ناحيةٍ أخرى إن تاريخ اللوحة هو عام 511 للميلاد أي في الدور البيزنطي (المسيحي على ما هو معروف) وتحديداً أثناء فترة حكم الإمبراطور أناستازيوس الأول (الذي حكم بيزنطة ما بين عامي 491 و 518 للميلاد؟! أي أن الفارق الزمني بين توقيت الأسطورة الوثنيّة الرومانية لِلذئبة التي ترضِع ريموس ورومولوس وتاريخ ظهور اللوحة على أرضية كنيسة فركايا يقارب ال 753 ق.م + 511 م = 1264 عاماً؟!
إليكٌمْ ترجمتنا الشخصية للنص الكامل للنقش على اللوحة الفسيفسائية (وأنا هنا لا أنقل، بل أوَثِّقُ عملي وجهدي الشخصي):
” فيرمينوس النبيل والمرموق المقيم في بيت الشمامسة ويوحَنّا المُحِبُّ للمسيح اللذان رَفَعا الصلوات تَضَرُّعاً مِنْ أجلِ شفاء الأرشمندريت أنطونيوس الحبيب إلى الله، ولِذِكرى رُقادِه ولِهِمَّتِهِ العظيمة وتُقاه، وأيضاً للذكرى الكلِّية الطيبة لبولس الكاهن والأرشمندريت الحبيب إلى الله، لتقديمِهِ أعمال وترميم بيت الشمامسة في العشرين من شهر أَﭘيلّايوس والخمسعَشَرِيّة F من سنة 823 مكدونية. (20 كانون الأول من عام 511 الميلادي).”
(تمت القراءة عام 1995 أي قبل ربع قرنٍ من الآن).
أعودُ إلى ما يبدو أنّهُ مفارقة وعندي التفسير الوحيد المقبول لها وهو أنًّ ما قَصَدَ إليه مصمّم هذه اللوحة الفسيفسائية هو أن يرمُزَ لِنَصر المسيحية أو على الأصحّ، إدخالها عن طريق ممارسة العبادات السرية لأوائل الذين قبلوا البشارة المسيحية في الكاتاكومب (أو المدافن النَّفَقِيَّة تحت الأرض)، على عاصمة الإمبراطورية الوثنية الأهم للعالم القديم على يد القديسَيْنْ بطرس الرسول وبولس الرسول كما يعلم الجميع، إلى حين صدور مرسوم ميلان الشهير على يد الملك قسطنطين الكبير واعترافه بالمسيحية كديانة مقبولة بإصدارِهِ لمرسوم ميلانو الشهير في شباط من عام 313م.
اترك تعليقاً