امضِ بناظريك حيث المدى، واتخذ لذاتك فيءَ هدوةٍ من سكينة، تظللك بعض وشائج لذكريات رقشها المداد حروفاً وكلمات على سطور الأيام وتعاقب السنين، فراحت ما بين حُرقة وجدِها اصطلاء جمرات في مواقد اللهفات، وصحو فطنة اللحظات، وما بين ارتعاشات أزهار صوحت ضروباً من يباب يدانيه يباس تحكي ثنائية المد والجزر في غلاب ماض وزحام ذكريات، والتفاتة قلب، وقد عزّ عودٌ على بدءٍ في مقاربة واقع محسوسٍ عدا اجتهادٍ في رسمٍ يفيضُ به المخيال، وقد أعياه واقع يعود، فما تشرّبه الزمان اقتاتته الأعمار، وحث خطاه كل مسير.
أجل! امضِ، وأنت الراحل في المكان، صوب آفاق تحط فيها رحلك دنيا من تأملات، واصغِ لأصوات الأحبة، ومن شذرات محياهم أصوِرةً وحكايات نجواهم لدروب الحياة وصروفها. هدهد الروح مطالع أنفاس نحو الربا، في ثغور مياسمها عساك تسمع حراكهم لكأنك تراهم عياناً وقد هزك شميم عبق من أردانهم تلاوين حكايات حكايات أدركها الماضي عياناً، وأوقعها الحاضر صوغ أصوات، هي أنداء أغمام على أكمام ورد، وخمائل واحات في مرامي كل وجد.
أجل! امضِ في عرزالك متكئاً على ساق شجرة وما بين ساقها والجذر ثمة حجر تطمئن إلى صلابة كلتيهما، أطلق العنان لأسراب أفكار، وحطّ رحلك في فساحة آفاقك الرحاب، وحسبك أغاريد وصداح أطيار تناديها الحياة، وشدو أصوات الأحبة تناديك، فنادِها نداء أكباد إلى أكباد. هي أصوات طافحة بقيم تعبيرية ومكتنزة بدفء الود، ونبالة الرهافة على صقيل كل شغف نضدته تجارب الأيام وازدانت به متاعب الكد وتألقت به تيجان الصدق، واتقدت به مجامر الجمال أفانين مسك وعنبر تغني قيمتها أصالة محبة في نقاء كل صفاء. هي أصوات الأحبة تَعاضُدُ كتف إلى كتف، وغنى فكرة بغيرها، وتبادل خبرات، ورقي كل تعاطف ثري بثقة الذات بمعيارية ذاتها، وإدراك قامة غيرها وعي جمال إلى جمال في نباهة تعلم تجود به الحياة تنوّع مشارب ومناهل لتغدو الفِكر والأفكار ريادة معلم دهش الحضور تتلهف إليه الخواطر وتتسابق إليه غلب النفوس ظمأى إلى مزيد.
أجل! هي أصوات الأحبة تطل إليك شموساً، حروفا كلمات وتحاياً ووروداً تفيض ببركة الخير المكتنز في نبوغ كل رقي، وأصالة كل محتد، وجذوة كل قلب يتق بعاطفة لا يدانيها صقيع من وهن في ذات أو تعثر في ثقة، أو ضمور في كينونة، فتشاركك حرفك ووعيك، ووجدانك وتمدك بطاقة إيجابية فتسعد بأكثر من كتف ثابت إن مال ضعف بك في كبوة من غفلة لثوان من انشغال، فتكبر ألقاً من متكأ ساق وصلابة صخرة إلى كتف من أحبة فتمضي سعادة فتوة على شرفات أيام وحسبك مؤونة أنت هذا المدى في بذار عملك وإبداعك وتفردك نتاجات بقيم مضافة من إبداع.
أجل! إنها أصوات الأحبة تعرش مساكب ورود على مسمعيك في مآقي عينيك، وشغف قلبك، ومخزون عقلك سمو حضور لافت فتزداد غنى، وتقوى كينونة ضمن ذكاء عاطفي، وهو سقيا بنضج عاطفي ألمعي الرقة، وبهي الألق. ما أروعه حروفا وكلمات وورودا وعينا بعين وإذنا بإذن “والأذن تعشق قبل العين أحياناً “.! وما أصعبه بوحاً مهذبا يجافيك صراحة قول، وقد أمسكه عن ذلك طمأنينة لقدرك عنده، أو لظروفه في ضيق صروف من أيام، أو يقينه أن بلاغة صمته عندك أبلغ منطقاً، ولكن تسمع صمته رزانة محبة وتقدير وإن غلفها الصمت وأبعدها الغياب في سانحة من شرود أو قافية من شعر، أو موقف في سلوك.
أجل إنها أصوات الأحبة سعادة الرؤى في عاليات الهمم، وسارحات الحكايا ومغانم الحضور ذرا في نهوض كل جمال إنه عالم آخر يسري في رحاب الذات اصطلاء وجد معتق في الحنايا والضلوع، وتميّز تفرد عقلاني في فضاء أرحب تشرق به مكنونات الأفكار في دنيا العقل والإبداع.
نزار بدّور
اترك تعليقاً