أدب وفكر

أوسع من منفى

أوسع من منفى

أَعُودُ إِلَى سَجَائِرِي وَقَهْوَتِي
إِلَى موَاءِ غُرْبَتِي
وَشَمعَةٍ
تَتَلَوَّى بِهوَى الرَّغبَةِ وَالإِنعِتَاق
أُعَانِقُ غَيْمَتِي وَحدِي
أُجَدِّدُ قُوْتَ مِقْصَلَةِ اللَّيل
أَلَمَ الفُرَاق
تَخْرُجُ ذَاتِي مِنِّي
تَجلُسُ إِلَى طَاوِلَتِي
تَشْرَبُ مِنْ فِنْجَانِي
تَنْفُثُ مِنْ دُخَانِي
نَائِيَةً
وَعَارِيَةً
كَرِيحٍ
كَمَوْجِ البَحْرِ
قَالَتْ لِيْ ذَاتِيْ:
أَيُّهَا الرَّجُلُ المُرهَقُ بِالحُلْمِ
تُرَاكَ اخْتَرتَ الزَّمَنَ الصَّعْب
تَلتَمِسُ ظِلَّكَ فِي ثَنَايَا اللَّيلِ
وَلَا تَحْمِلُ مِنْ عَبَثِ الدُّنْيَا
سِوَى حُطَامَكَ
وَبَقِيَّةٌ مِنْ صَدَى
تَكْتُبُ فِي ذَاكِرَتِكَ أَلْفَ سُؤَال
وَلَا يَأتِيكَ الجَوَاب
لَكَمْ يُشْبِهُكَ السَّرَاب
قَالَتْ لِيْ ذَاتِي:
أَيُّهَا القَادِمُ مِنْ ظُلْمَةِ النُّورِ
فِي حِلَّةٍ مِنْ ضَبَاب
ثَمَّةَ حَقِيقَةٌ تَسْتَحِقُّ البَوْح
وَأَنتَ
لَنْ تَنْسَى، عَلَى إِيقَاعِ الصَّمْت
كَمْ زَهْرَةً أَعْتَقْتَ
كَمْ طَعْنَةً
أَزْهَرْتْ
فِي أَوَّلِ الوَقْت
قَالَتْ ذَاتِي:
لَا شَيْءَ يُبْعِدُ العَتمَةَ عَنْكَ
يُشَتِّتُهَا
يُضْرِمُ النَّارَ أَشبَاحَ لَعنَة
لَا شَيْء
فِيْ نُبُوْءَةِ الرُّوحِ
يَلْتَقِطُ حُضُورَكَ
لَا شَيْء
أَشَدُّ وَهْجَاً مِنْ رِيَاحِ الشَّمْسِ
مِثْلَ لَحْظَةٍ جَنِينْيَّة
لَحْظَةِ اعْتِرَافِكَ بِأَنِّكَ أَنْتَ
هُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّكَ أَنْتَ
لَا يَعْرِفُونَ أَنَّكَ مِنْ عَبَاءَةِ الحُزْنِ أَتَيْت
مِنْ سَادِيَّةِ الزَّمَنِ الغَابِر
مِنْ أَلَمٍ مُعلَّبٍ بِالحِرْمَان
مِنْ زَئِيرِ العَاصِفَة
لَا يَعْرِفُونَ أَنَّكَ
أَوْسَعَ مِنْ مَنْفَى
وَأَكْبَرَ مِنْ جَرْح
قَالَتْ:
كَالأَرضِ أَنْتَ بَاقِيٌ
كَالتِّلِال
وَرَاحِلٌ
كَالوَقْت

فهد بهجت الحوش

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.