في الرواية يوضِّح وليد علاء الدين الحرب غير المعلنة بين أصحاب الطرق الصوفية من الرفاعية للبكتاشية وسواها، منتقداٍ امتزاج البعض منها بالدجل والشعوذة وإتيان الأعاجيب من ألعاب الخفة والسحر، وفي العمق تختزن مصالح السلطة والمال، ليتّهم التبريزي بها وينتقل بعدها إلى كشف النرجسية ونكران الآخر عنده، فعندما ذاك الآخر لا يفهم مقاصده، فهو يجزم بأن المشكلة في الآخر لا في معنى كلامه الذهبي.
أما جلال الدين الرومي الذي يتنازع الإنتماء إليه كل الأفغان والأتراك والإيرانيين، والذي ارتبطت شعبيته والتيارات الصوفية، أثناء فترة الحرب على الإرهاب، باعتباره شكل معتدل للتيارات الدينية الداعية إلى الإخوة والمحبة، ليفكك علاء الدين هذا الادعاء، ويكشف حقائق غائبة عن الرومي عندما ضرب مثالاً يضجّ بالكراهية بموقفه من الديانات الأخرى وهو:(تصادق مسلم ومسيحي ويهودي في سفر لا تقل كيف حدث هذا فقد يجتمع الصقر والغراب والبوم في قفص واحد)، هكذا رتبهم، ذلك الفكر الذي حاول تجميله بالموسيقى والغناء وبالقليل من بهارات الفلسفة في إضاءة على التاريخ الذي يغفل عن ذكر ذلك، وصولاً إلى التشكيك بالمثنوي ورفع القدسية عن معانيه ومعارضته بميزان العقل، وهناك جديد يشير إليه وليد علاء الدين وهو الإتاوات والأعطيات والنذور التي يبذلها المريدون، وهذه فكرة قد يتجاهلها الكثيرون ممن تناول حياة الرومي، فإحالة أي مسألة لجذرها الاقتصادي تشكل خلفية عميقة لفهم الكثير من السلوكيات والأفكار، والجدير بالذكر أن ابنه سلطان ولد له مدائح في الترحيب بالمغول الغازي وقد رد ذلك إلى مشيئة الله التي يجب أن نمشي معها وهو حبيب والده، على النقيض من علاء الدين ولد الذي كرهه والده وانتقد سلوكه واتهمه بتدبير مقتل شمس، وهو الفتى العاشق لكيميا والمناسب لها عمراً وشباباً، ولا ينسى أن ينوِّه إلى شخصية جحا المعروفة في الذاكرة الشعبية لدينا بنوادرها وسخريتها كمعادل قيمي للفرح والحياة.
في إشارته إلى الروعة المعمارية لكنيسة آيا صوفيا، يحاول فيها خدش المقدسات والكشف عن التاريخ المخبوء بتحويلها إلى مسجد ومتحف بقوله “اغتصبت الكنيسة مرتين مرة عندما حولت لمسجد ومرة عندما حولت لمتحف” وعند استعراضه لرقصة المولوية التراثية، التي مازالت تؤدّى في المناسبات الدينية ليوشيها بالتساؤل المهم والعميق هل تؤدي النساء هذه الرقصة؟؟ ويدخل في آفاق المتخيل الأدبي ويتجاوز اللونين الأبيض والأسود للراقصين ويدخل ألوان الطيف الحمراء والخضراء والصفراء وسواها في مخيال متماه مع جماليات التناغم اللوني البديع.
تكمن الفكرة في رفع وهم القداسة عن رموز وصلت شهرتها الآفاق، ومناقشتها بمنطق الإنسانية وذلك لا يقلل من أهميتها الفكرية بزمنها، وإنما يضيء إلى ما ينقصها وما سكت عنه، لأنه في أرض الخوف تتعاظم الآلهة ومن يتحدثون باسمها، وما إشارته فتح العلبة التي تصله من مجهول، ورفعه للملصق عنها، كمن يوشك على فتح أبواب الحكاية المنسية، وهذه الانتقادات الصادمة لما استقر في وعي الكثيرين، وثّقها وليد علاء الدين في خاتمة الكتاب بمراجعها المثبتة.
وطالما فتح باب التساؤلات عن ذاك الزمن فماذا لو أن التبريزي أدرك هوّة العمر بينه وبين كيميا لذا لم يقاربها أو يعتبرها زوجة فعلية، أو ماذا عن التشكيك بماهية العلاقة الرومي وشمس التبريزي، ربما وليد علاء الدين فتح الباب لنبش المحظور وافتراض حقائق من خلال تفكيك الروايات التاريخية لذلك الزمن وهو يلج من باب المسلّمات التي استقرّت في الوعي من خلال التداعيات السردية في العمل، كشرخ بجدار ناتج عن زلزال قادنا إلى حواف جرح تاريخي، ينزّ كلما هبت رياح الذاكرة بدراما فيها من الفانتازيا والواقع الشيء الكثير.
لقراءة الجزء الأول : اضغط هنا
دعد ديب
اترك تعليقاً