ثقافة

حوار مع المتنبي في حمص

(أحب حمصا إلى خناصرة

وكل نفس تحب محياها)

بحضور رئيس دير الآباء اليسوعيين، وحضور نخبة من المثقفين والمهتمين وبعض مدرسي اللغة العربية في حمص، أقام الملتقى الثقافي اليسوعي يوم الأربعاء 15 حزيران، أمسية ثقافية أدبية بعنوان:
“حوار مع المتنبي” قدمها كل من: الأستاذ المفكر عطية مسوح، والشاعر حسن بعيتي.

كانت الأمسية محاورة بين المحاضرين، مع الاستشهاد بشعر المتنبي الجميل، وكانت الاختيارات الشعرية الجميلة منتقاة من شعره غير المعروف لدى أغلب الناس.

فلماذا المتنبي مازال حاضراً بقوة؟ ولماذا هو سابق عصره.

ركز المحاوران في المحاورة على أفكار مهمة في شعر المتنبي مثل فكرة الخلود، وفلسفة الموت، إذ كانت له نظرة فلسفة في الموت، وفهمه له مخالف لما هو سائد إذا كان مفهوم الموت في الأديان “حق” أما عند عند المتنبي فهو جريمة؛ إذ يقتل الإنسان ويسرق عمره.

هذه النظرة التي خالفت نظرة عصره جعلتنا نرى أن له فلسفة خاصة.

والحياة والموت وجهان لعملة واحدة، والموت طريق الحياة، ومتمم لها. كل شيء إذا لم يمت فلا يمكن أن يتجدد.

كما طرح المحاوران أفكاراً متعددة في شعر المتنبي كعلاقة الروح بالجسد، إذ طرحها المتنبي كفيلسوف ومفكر، فالروح تطمح إلى التحرر من سجن الجسد.
والغزل له نصيب أيضاًةفي شعره، إذ قرأ الشاعر حسن بعيتي بأدائه الجميل وصوته العذب شعراً غزلياً رقيقاً للمتنبي.

ثم تحدث المحاوران عن مفهوم الوحدة العضوية في شعر المتنبي، إذ كان الشاعر العربي يطرح موضوعات كثيرة في قصيدته والمتنبي كذلك، فكان يضمن قصيدته أكثر من موضوع.

ومن أبرز القضايا المطروحة في الأمسية قضية مدح المتنبي لنفسه، ومع أن مادح نفسه كذاب، ومع أن الشاعر العربي كان يتذلل في مدح الأمير الممدوح، لكن هذا كان غير مستهجن مع المتنبي.

وقال الأستاذ عطية: هل كان المتنبي نرجسياً؟ لقد كان المتنبي متميزاً بثقافته وسابقاً لعصره، لذلك رأى نفسه فوق الناس ومدح نفسه.
ومن القضايا المطروحة في المحاورة أيضاً فكرة تنظيم الإرادة، فالإنسان عند المتنبي يجب أن يصنع قدره.

لقد خرجت فلسفة المتنبي عما هو مألوف، وأكد بها أن لا شيء مستحيل.

كان المتنبي مثقف عصره يضاهي الفارابي، وكانت فلسفته أفلاطونية.

أيضا حاول المتنبي ألا يخسر الحياة ليربح الشعر، لكنه عاش حياة شقية ليأخذ منها الخبرات. فكيف يمكن للإنسان أن يكون حكيماً ويعيش مباهج الحياة (في الشباب والشيب)؟

وما نفع الحكمة بدون الشباب؟ يعني هل ينبغي علينا أن نخسر ملذات الحياة حتى نأخذ منها الخبرات؟

ومن الموضوعات التي تم النقاش فيها قضية “الحداثة” في الشعر وقالا: إن مصطلح “ما بعد الحداثة” هو مفهوم خاطئ لأن ما بعد الحداثة هو حداثة، وصمود الجمال عبر الزمن هو حداثة أيضاً. فحداثة المتنبي قائمة في عصره ومستمرة إلى عصرنا. والمتنبي أكثر حداثة منا، هو حداثي خالد تجاوز عصره، وصاحب إحساس عال.

وقال المحاوران: إن الحداثة أمر مستمر ومتنامٍ، وكما أفرزت العصور شعراء، ستفرز أيضاًةتجارب شعرية حديثة سنتجاوز بها كل هؤلاء العظماء، وننتج شعراء مبدعين.

وعندما طرح الحضور موضوع علاقة المتنبي بحمص، أورد المحاوران بيتاً من الشعر قاله المتنبي بحمص عندما اعتقل فيها:
أحب حمصا إلى خناصرة
وكل نفس تحب محياها

وفي حديث خاص لجريدة حمص صرح الأستاذة عطية مسوح قائلاً: “نحن نحاول استحضار المتنبي في زمننا، فالمتنبي ما يزال حياً في شعره، وفي كونه معلماً للشعراء. لقد حاولنا أن نضع اليد على إحدى النقاط في شعر المتنبي، وأهم ما ميزه فيها، وبشكل خاص الجانب الفلسفي في شعره وطريقته في التصوير وبناء الصورة”.

أما الشاعر حسن بعيتي فقال: “المتنبي من أكثر التجارب الشعرية غنىً في تاريخ الشعر العربي، والتي ما تزال حاضرة رغم مرور أكثر من ألف عام. كان اللقاء رائعاً مع الأستاذ عطية مسوح، وحاولنا قدر الإمكان -مع جمهور حمص صاحب الذائقة العالية- أن نرتفع إلى مستوى هذه الذائقة”.

كانت جلسة رائعة، تفاعل معها الحضور عبر زمن لم يشعروا بثقله.

تصوير: كابي ابراهيم

عن الكاتب

هنادي أبو هنود

-إجازة في اللغة العربية.
-دبلوم دراسات عليا/لغوي.
-سكرتيرة تحرير جريدة حمص سابقا.
-مدققة لغوية في جريدة حمص حاليا.
-معلمة لغة عربية في الثانوية الغسانية.
-هواياتي الكتابة في الصحف والدوريات، والاهتمام بالمحاضرات والندوات الثقافية.
-صدر لي كتابان في الخاطرة والمقالة:
الأول بعنوان ومرت الأيام 2008، والثاني بعنوان كلام... كلام عام 2010.

اترك تعليقاً