لابد ونحن نتحدث عن الحركة المسرحية في حمص إلا أن نذهب باتجاه البدايات التي أسست لما جاء بعدها من تجارب راحت تفرض نفسها في الزمان والمكان وصولاً لما نحن فيه الآن.
المخرج المسرحي “حسن عكلا” وفي حديثه عن بدايات المسرح السوري في حمص قال: “إنه من الصعب جداً أن نحدد بدقة كلّ شيء عن البداية، ولكننا نستطيع رغم ذلك أن نتلمس بعضاً مما وصلنا عن أولئك الرواد الأجلاء الذين سبقونا بوضع اللبنات الأولى والتي أرّخ لها بعض الباحثين، ومنهم الكاتب والباحث الحمصي “هيثم يحيى الخواجة” من خلال كتابه حركة المسرح في حمص، تأسيساً على بعض الوثائق رغم ندرتها، وكذلك بناء على التواتر الشفاهي، ومع أننا لا نستطيع أيضاً أن نلّم بالكثير من ملامح تلك التجارب، لكنه يتوجب علينا أن نذكر بالكثير من الإعجاب والاحترام شجاعة وجسارة الرواد الأوائل الذين ربطوا رغم ظروفهم الصعبة نشاطهم المسرحي بقضايا وطنهم وحياتهم المعيشية والاجتماعية والسياسية في عصرهم، ولم ينفصلوا عنه بل تصدوا لواقعهم القاسي المرير تحت وطأة الاحتلال العثماني مع آخر مراحله، والفرنسي في بداياته منتصف عام 1920 من القرن الماضي، وإبانه حتى الاستقلال.
ويحسن بنا القول إنّ مسرحهم -والحالة هذه- كان نهضة ضد الاحتلالين”.
وعن الطابع البارز للحركة المسرحية في حمص والسمات الأهم المميزة لها أشار الفنان “عكلا” بأنها كانت جادة ومسؤولة منذ بدايتها في تحديد وظائفها في خدمة الحياة والإنسان، وماتزال تسير حتى الآن على هذا النحو الحاكم لنشاطها، وتكتسب مع الوقت الدوافع نفسها، والشرف ذاته، وأنه يتوجب علينا ألا ننسى أن بداية المسرح في حمص وكما أرّخ لها على نحو تقريبي، كانت في العام 1860 أي بعد عقد ونيّف من الزمن على بداية المسرح العربي تاريخياً مع “مارون النّقّاش” منتصف القرن التاسع عشر.
وذكر الفنان “عكلا” ما قاله الكاتب والقاص والمسرحي الحمصي “مراد السباعي” نقلاً عن أبيه أنّ والده حدّثه عن السيد “سليمان الصافي” بأنه كان يقدّم في حديقة منزله مسرحيات حوارية مؤلفة لشخصين أو ثلاثة يمثلونها وكان الشّباب كما هو معروف يؤدون أدوار النساء مما أثار غضب بعض الأهالي، فتوقف مضطراً عن المتابعة، لكنه مع ذلك كسب حق الريادة الأولى حسبما ذكر حتى الآن.
وعن أهم الرواد الأوائل المسرحيين في حمص وواجبنا تجاههم أوضح الفنان “عكلا” بأنه يتوجب علينا إحياء ذكراهم اعترافاً بجميل فعالهم مشيراً إلى رائد آخر هو الشيخ “عبد الهادي الوفائي” الذي كان يقدم مسرحياته في بيت المير بحي باب التركمان في حمص بعد مرور عقد من الزمن على سابقه السيد “سليمان الصافي” أي في العام 1870 حسب ما ورد في كتاب الباحث “هيثم الخواجة”، وحركة المسرح في حمص الذي ورد سابقاً، وبيّن أنّ ما يميز “الشيخ عبد الهادي الوفائي” هو تأثره برائد المسرح السوري “أبو خليل القباني” حين كان يلتقيه في دمشق ويشاهد أعماله المسرحية، وقد تزامن نشاط الشيخ الوفائي المسرحي بحمص مع نشاط “أبو خليل القباني” في دمشق، إلى أن وجد “أبو خليل القباني” ملاذاً له في حمص بعد إحراق مسرحه في دمشق، فلازمه “الشيخ الوفائي” طيلة وجوده في حمص، مستفيداً من تجربته وخبراته وفنونه المشهودة ذائعة الصيت، وأنّ الشيخ “عبد الهادي الوفائي” الذي أنشأ أول مسرح في حمص لم يكن بأقل من صديقه “أبو خليل القباني”، وأنه لم يكن أبداً رجلا” عادياً بل إنه أخذ من العبقرية آنذاك ما يكفي ليكون إنساناً متمدناً مستنيراً في عصر ساد فيه الجهل والتخلف والفقر حداً لا يطاق، مما جعله يخصص ريع أعماله المسرحية للمشاريع الخيرية، مؤكداً أنّ هذا بالضبط ما فعله “كاتبان مسرحيان أطلّا علينا في عام 1890 وهما “يوسف شاهين” و”داوود قسطنطين الخوري” ليقدم الخوري مسرحية “مثال العفاف في رواية جنفياف” وقد مثلها تلاميذ مدرسة الروم الأرثوزكس، في حمص عام 1890 وقدم “يوسف شاهين” مسرحية الملك كورش 1891، وبهذين العملين: قدّما دعماً جديداً يرفد الحركة المسرحية في حمص، ويدفعها قدماً إلى الأمام بإيقاع متواتر مستمر محققاً تأثيره الاجتماعي ومحرضاً الكثير من الشباب للدخول في مضمار هذا الفن العظيم، ومنهم “محمد خالد الشلبي” الذي كتب ومثل روايات كثيرة.
وعن عدد المسرحيين وأهمية أعمالهم، أكد الفنان عكلا أننا لا نستطيع أن نتحدث عن الجميع رغم أهمية ما قدموه من فن المسرح، لكن من المفيد الحديث عنهم في مقال آخر، مع فارق مهم تجدر الإشارة إليه هنا هو امتياز السيد “يوسف شاهين” عن البقية من الرواد، باعتباره أول من قدم الأوبريت بمشاركة “داوود قسطنطين الخوري”.
وختم الفنان حسن عكلا حديثه بأنّ السادة “سليمان صافي”، و”عبد الهادي الوفائي”، و”داوود قسطنطين الخوري”، و”يوسف شاهين”، و”محمد خالد الشلبي”، كان لهم شرف الريادة من الرعيل الأول.
اترك تعليقاً