“نوافذُ السماءِ” لم أجد أجمل من هذه التسمية لأصف أيقوناتنا الأرثوذكسية.
الأيقونة اليوم تتوسط قلوب المؤمنين لما تحملهُ من كلمات مرموزة بخطوط جميلة وألوان ذات طابع لاهوتي، وإنّ هذا الأمر ليس بالجديد بل من القرون المسيحية الأولى. لذلك نجد في دير القديسة كاترينا في سيناء أيقونات من القرن الثالث الميلادي، وأيقونات أخرى منتشرة حول العالم، كيف لا؟ ونحن نعتبر الأيقونة آية لتظهر لنا جمال السماء.
إن الأيقونة تختلف عن الصور الشخصية أو الطبيعية لما فيها من طريقة خاصة في الكتابة؛ لا نرى فيها وجوه القديسين كما كانت تبدو عليه، بل نراهم كما كانو يتّصفون بسيرة حياتهم، أي إن الأيقونة هي سيرة تُقرأ ليكرّم من خلالها القديسون والشهداء والأبرار والمعترفون، لأننا بتكريمنا إياهم نكرم سيدهم، ومن خلال سيرتهم نصل إلى مِلء قامة المسيح التي هي الغاية العظمى من الأيقونة.
وهناك أيقونات الأعياد مثل القيامة، الصلب، المعمودية وأخرى كثيرة.. وإن أردنا أن نشرح إحدى هذه الأيقونات لربما نستطيع على سبيل المثال أخذ أيقونة رقاد السيدة العذراء التي نحتفل بعيد رقادها في الخامس عشر من شهر آب من كل سنة.
هذه الأيقونة تحمل معاني جميلة جداً. إننا نرى في أيقونة الرقاد مشهدا أساسيا يصوّر لنا العذراء مضجعة على فراش الموت، والرسل حولها والسيد يتوسط الأيقونة، لنقول: إن السيد الذي أعطى الإكرام والإجلال لأمه هو الذي سوف يأخذها إلى حيث يليق بها. فنراه في وسط الأيقونة حاملا روح أمه على شكل طفلة مقمطة بالأقماط البيضاء لنتذكر حادثة ميلاده حين كان السيد هناك مقمطا ومضجعا في مذود، هناك أعطته العذراء جسداً ليولد منها بحال غريبة، وهو الآن يعطيها الحياة الأبدية حاملاً إيّاها على ذراعيه كما حملته هي سابقاً على ذراعيها، مع أنّ هذا الحدث وهذه الأيقونة لوالدة الإله، لكن المركز -كما في كل الأيقونات- للسيد الذي صنع بها العظائم.
في هذه الأيقونة تلتقي الخطوط الأساسية حول هالة المجد الإلهية التي تحيط بالسيد الواقف أمام أمه الراقدة، ونعبر عنهُ بالتقاء السيد بالسيدة أي الألوهة بالإنسانية ليصبح عندنا شكل صليب ترسمه السيدة بجسدها الراقد بشكل أفقي، والسيد بحضوره في وسط الأيقونة بشكل عامودي، لأن الصليب هو قوة الله الذي حوّل الموت إلى حياة، فالسيد أصعد العذراء إلى السماء لتكون عربونا للقيامة العامة.
كما أننا نرى في الأيقونة أبواب الملكوت مفتوحة وفي بعض الأيقونات نرى الرسل راكبين السحب لحضور هذا العرس السماوي كما تقول الترتيلة ” يا أيّها الرسل هيا من الأقطار إليَّ” ونرى أيضاً في أعلى الأيقونة العذراء مُصعَدة بالجسد على أيدي الملائكة رامية للرسول توما زنارها ليكون دليلاً على صعودها إلى السماء، ونرى في أسفل الأيقونة ملاكا يقطع يدَي رجل ٍ يهودي حاول أن يوقع جسد العذراء أرضاً.
من هذه الأيقونة نرى أن الأيقونات هي آيات مكتوبة، ووسائل إيضاح للمؤمنين، لأننا كما نرى استطعنا أن نلمس الكثير عن رقاد والدة الإله من خلال التأمل في هذه الايقونة، وهكذا هي الحال في كل الأيقونات.
زياد صبحة
اترك تعليقاً