بأقلام الشباب
سعادتنا كانت عند حلول الساعة السابعة والنصف مساء وما بعدها… اجتماعات الأصدقاء، السير في الشوارع، الجلوس على الأرصفة الضحك والتسلية واللهو والبحث الدائم عن أماكن تأوينا كي لا نفترق… نقاشات وصراعات حول المكان الذي سنتناول الطعام منه.. هل نأكل سندويشة الشيش من كريش؟ أم صاروخ البطاطا من خيرالله؟ أم أسطورة الشاورما من يزن؟ لكن النقاش كان ينتهي بأقراص فلافل بقيمة خمس وعشرين ليرة سورية من حبوس الأشهر في حمص…
صباح اليوم التالي كان اجتماعنا قبل ذهابنا للمدرسة وتحديد ساعة الهروب منها للتوجه إلى ساحتنا المعتادة، أرض من الزفت الأسود محددة بعوارض حديدية كي نلعب كرة القدم.. حتى إنَّ الندوب ماتزال في جسدي كم ابتسم كلما نظرت إليها وتذكرت لحظات إصابتي بها…
أذكرُ أيضاً أولى الفتيات اللواتي أحببناهن، وشوارع منازلهن التي حفظت أسماءنا وضحكاتنا وصوتنا النشاذ حين كنا نغني لهن..
كم من حائط استندنا عليه حين استرحنا… كم شُتِمنا بسبب صراخ ضحكاتنا الساخرة حين كنا نرن أجراس المنازل ونهرب في منتصف الليل موقظين كل الجيران….
عشر سنوات حرب مضت..
الآن يفتقدوننا يفتقدون أن نرن أجراس منازلهم ونهرب، يفتقدون رؤية محبتنا لذلك الشارع والفتاة والحائط الذي استرحنا عليه، وتلك الزاوية التي احتوتنا واحتوت أجيالا من قبلنا… يفتقدون غناءنا النشاذ، يفقتدون كل شيء..
الأصدقاء هاجروا، والأم تبكي على ابنها الشهيد، والفتاة تنتظر حبيبها المسافر، والحائط الذي استندنا عليه انهار…
الجيران جاعوا… الخمس والعشرون ليرة سورية اختفت…
وبقيتُ أنا والقلم نروي لكم
حكاية شارع في مدينة
كريم مخول
اترك تعليقاً