أدب وفكر وماذا بعد؟

أجمل ما في الوجود

سألني صديق لي مرة قائلاً: ما أجمل شيء في الوجود؟ وسألني عن السعادة، وقال: هل أنت سعيد؟ وكيف يصبح الإنسان سعيداً؟ وما هي السعادة؟ قلت له: لكي تكون سعيداً في حياتك، يجب أن تملك أجمل ما في الوجود، فكرر سؤاله قائلاً: وما أجمل شيء في الوجود؟!

فقلت له: قضى أحد الفنانين بضع سنوات يسجل بريشته الجمال حيث كان… ولكنه لم يقنع بما أبدعته ريشته من لوحات، وراح يبحث عن أجمل شيء في الوجود ليرسمه. وأثناء بحثه قابل رجلاً من رجال الدين فحدثه عن بغيته وسأله عن رأيه، فقال له الرجل: “أجمل ما في الوجود الإيمان.. فإنك تجد ما يغنيك في أي بيت من بيوت العبادة ينتمي إلى أية عقيدة من العقائد”… وواصل الفنان بحثه فصادف زوجين حديثي العهد بالزواج … فوجّه إليهما السؤال نفسه: فأجابا: “أجمل شيء في الحياة الحب، إنّ الحب يحيل الفقر ثروة، والظلمة نوراً، والدموع فرحاً.. لا طعم للحياة بدونه ولا جمالَ إلاّ به “…

وسار الفنان في طريقه يواصل البحث، فرأى جندياً متعباً يجلس على شاطئ البحر ساهماً، فحيّاه وراح يحدثه، فلما فهم الجندي أمنيته، قال له: “إن السلام يا سيدي ـ أجمل شيء في الوجود.. والحرب أقبح شيء فيه، وحيث يوجد السلام لا شك في أنك ستجد الجمال في أروع صورة وأعلى درجاته”.

وأطرق الفنان وهو يتمتم: “الإيمان والحب والسلام… ترى كيف أصورها؟”.. وعاد إلى البيت وهو مكدود الذهن من التفكير، ولكنه ما إن دخل عتبة البيت حتى وجد بغيته.. ففي عيون أطفاله رأى الإيمان مجسماً، وفي بسمة زوجته رأى الحب ناطقاً، وفي أرجاء البيت كان السلام الذي حدثه عنه الجندي.

فرسم الفنان صورة أجمل شيء في الوجود وعندما فرغ منها سماها (البيت)…

وقلت: نعم يا صديقي، إن البيت أجمل شيء في الوجود، ولكنه بدأ يموت رويداً رويداً، فعيون أطفالنا أخذت تفقد الإيمان، وقلوبنا منه خاوية، فهل نحن في حالة لا انتماء؟ أتذكر يا صديقي مثلاً شعبياً عربياً يقول: “آمن بالحجر تبرأ” وقلتُ عن الحب يوماً: مات الحب وكفنوه غير أنهم لم يدفنوه، فهل تحب زوجك؟ وهل تحب والديك؟ هل تحب وطنك؟ اسمع يا صديقي: “إن الإنسان الذي لا يحب أباه وأمه اللذَيْن يراهما في كل يوم، كيف يستطيع أن يحب الله الذي لا يراه!” أحبّوا بعضكم بعضاً تأكلوا خيرات الأرض، لماذا نحن لا ننظر إلى طيور السماء فنتعلم منها الحب؟.. والسلام، ما هذا السلام الذي ينشدون؟

هم قتلوا أبناء وطني، في وطني قتلوا الجندي، قتلوا الحرية، قتلوا الإيمان، الحب، السلام، قتلونا، فنحن نحب الحب، الحق، العدل، الخير، الصدق، الرفق…

أما البيت: فأفضل منه بكثير بيت الشاعر في بيته:
ولي بيتٌ تطوفُ بهِ العوادي
وتنشرُ في جوانبهِ الدّمارا
وتأتي لتحدثني عن السعادة! لا، لا، فكل بيت في وطني يريد الإيمان، والحب، والسلام.

د.جودت إبراهيم

اترك تعليقاً