قلت في نفسي، لقد آن الأوان كي أعيد ترتيب مكتبتي، بشكل يجعلني أجد الكتاب المطلوب بسهولة، بدلا ً من البحث عنه في الرفوف… ثمة مجلدات لموسوعات قلما أحتاجها، وقلما أعود إليها، فأضعها في أعلى الرفوف، أما المجلات فأضعها في مكان خاص بها، وتتصدرها مجلة” بناة الأجيال ” ثم مجلة ” المعرفة” وغيرهما كثير من المجلات الثقافية السورية والعربية .
ولكن وأنا أعيد وضع الكتب في أمكنتها الجديدة، ونقلها من رف إلى رف آخر، حصل مالم يكن يخطر ببالي أبداً ..!! .
فعندما أخذت (ديوان بدوي الجبل) ووضعته في الرف المخصص للشعر سمعت الشاعر رحمه الله يصرخ بي :(ماالذي تفعله.. أتضعني بين هؤلاء الذين لا يفرقون بين البحر الطويل .. والبحر الأبيض المتوسط ..؟!! هذا تطاول على الشعر العربي الأصيل لا يجوز لمثلك فعله).
اختفى الصوت الآتي من صفحات ديوان البدوي، سارعت إلى الاعتذار:
(العفو ياسيدي … يا أبا منير .. الحق معك .. إن قصيدتك “طفولة” تساوي كل هذه الكتيبات التي يسمونها شعراً!!).
ووضعت الديوان بين ديواني المتنبي وأبي تمام .
غير أن صوتاً آخر صرخ بي هو صوت رفيق فاخوري ، الشاعر الحمصي الشهير، رحمه الله، يحتج ويقول: (رجاء لا ترتكب هذا الخطأ، فتضعني بين أدعياء الشعر، الذين لايميز بعضهم بين الأفعال الناقصة والأحرف المشبهة بالفعل، ما الذي فعلته حتى تضع ديواني بمجاورة كتيب من عشرات الصفحات أسمته صاحبته شعراً، وهو ليس بالشعر وليس بالنثر.. هل تردّى ذوقكم إلى هذه الدرجة ؟!).
صرختُ: (أرجوك لا تؤاخذني سأضع ديوانك – همزات شيطان – بين دواوين المرحومين عبد الباسط الصوفي ووصفي قرنفلي وعبد الكريم الناعم، أمد الله عمره ..!!).
ورد بصوت هادئ: (شكراً لأنك اقتنعت بما أقول ..!!).
غير أن صوتاً جاءني ، ناعماً ، هادئاً، هو صوت الشاعرة عزيزة هارون ، طيب الله ثراها ، تقول لي:
(ضع ديواني أينما تشاء، لكن لي عتب عليك، فكلما قرأت كتاباً شعرياً كتبتَ عنه في الصحف، إلا ديواني لم تكتب عنه شيئاً ، مع أنك تقول إنك معجب بشعري.. هل نسيت أنني أحب الحمامصة وقد قضيت سنينَ زوجةً لشاعر حمصي، لكن الظروف لم تسمح باستمراري معه؟، فانفصلنا .. وظل يزور قبري كلما جاء اللاذقية، ويقول إنني درة الشاطئ السوري ..)
قلت بفرح طفولي: (نعم والله صحيح .. رحم الله نذير الحسامي ورحمك الله ياعزيزة .. حقك علي سأكتب عن ديوانك.. وقد سبقني كثيرون بالكتابة عنه ..!!).
وعندما هممت بترتيب الكتب المترجمة ، ومنها كتاب (الجريمة والعقاب) للروسي ديستوفسكي جاءني صوت يقول: ( أنت ياسيد .. أنا سامي الدروبي .. من هؤلاء الذين يجاورونني في مكتبت؟ من يكونون؟ محمد الدنيا وحسين سنبللي؟! ).
قلتُ بود واحترام :
( دكتورنا الغالي .. معالي الوزير .. سعادة السفير .. المترجم الكبير … والله نحن نفخر بك، حمص، بل سورية تفخر بك.. هذان المترجمان مبدعان: الأول محمد الدنيا يترجم عن الفرنسية وله عشرات الكتب… والثاني حسين سنبللي يترجم عن الإنكليزية، والاثنان عضوان في اتحاد الكتاب العرب ويليق بهما مجاورتك أستاذاً لهما …!!).
يتسلل شعاع الشمس إلى غرفتي .. أستيقظ من حلم جميل ، أمضي إلى غرفة المكتبة .. لاتزال كما هي .. عليَّ ترتيب الكتب .. هل أفعل ذلك اليوم؟ .. أم أؤجل الأمر إلى يوم آخر ؟!!.
بقلم عيسى اسماعيل
اترك تعليقاً