اشتهرت النساء منذ القدم بكتابة الشعر الجميل والقوي المعنى وأحياناً تفوّقت على الرجل ، ولكن بحكم العادات والتقاليد التي تربّت عليها والتي وقفت حائلاً دون جهر المـــــرأة العربية قديماً بما كانت تبدعه من شعر ، فعند بوحها به كأنّها خرجت عن قيَم الشــــرف والفضيلة ، لذلك احتفظت الذاكرة بالقليل جداً من شعر المرأة . ومن أشهر شــــعر النساء في ديوان الشعر العربي القديم هو شعر ليلى العفيفة هي بنت لُكَيْز بن مرّة بن أسد من ربيعة بن نزار النصرانية وأصغر أولاد لكِيْز. وكانت تامة الحسن كثيرة الأدب وأملح بنات العرب في عصــرها وأجملهن خصالا، وآيــــة في الجمال وشاع ذكرها عند العرب حتى أقاصي اليمن. رفضتهم جميعا لأنها كانت تكره أن تخرج من قومها. خطــــبها كثيرون من سَــراة العرب (ساداتهم ورؤسائهم)، منـــهم ابن أحد ملــــوك اليمن عمــرو بن دي صهبان وكانت تكره أن تخرج من قومها وتود لو أن أباها زوّجـها البــرَّاقَ ابن عمــــها وهي تدين بدينه. إلا أنها لم تعصِ أمر أبيها وصــانت نفسـها عن البـراق تعففاً فلُقبت بالعفيــــــفة. وكانت في أثناء ذلك حروب أبلى فيها البراق بلاءً حسناً. ثم خمدت الحرب وحـــان موعد زواجها ولكن ســَــمع عنها وعن جمالها ابن كسرى ملك العجم ؛ فأراد أن يخطبــها لنفســه فكمَنَ لقومها في الطريق ونقلها إلى فارس ، فبقيت هناك أســــيرة لا ترضى الزواج منه إلى أن انتزعها البرّاق من يد غاصبيها واستحق أن يتزوج بها. توفّي البـــراق نحو عام 479 م وتوفّيت ليلى بعده بأربـــع سنوات عام 483 م .
مقتطفات من أعمالهـــــا :
1 ـ ومن أجمل قصائدها : ليت للبراق عيناً(1) تستنجد بالبراق (2) وإخوتها من بحر الرمل عدد أبياتها 14 بيتاً قالت فيها :
ليتَ للبِــــرّاَقِ عينـــــــا فترى *** ما أُقاســـــي مِن بــــــلاءٍ وَعَنــــا
يا كُلَيْــــباً يا عُقـــــــيلاً وَيْلَكُم *** يا جُنْيـــــداً ســـــاعدوني بِالبُـــــكا
عُذِّبَتْ أخْتُـــــكُمُ يا ويلكـــــــُم *** بِعَـــــذابِ النُـــــكرِ صُبْحاً وَمَســـا
2 ـ وقالت هذه الأبيات في مدح البراق :
أمّ الأغرّ دعي ملامك واسمعي *** قولاً يقينـــــاً لســــتُ عنه بمعزلِ
برّاق ســــــيّدنا وفــارس خيلنا *** وهو المُطاعِن في مضيق الجحفلِ
وعماد هذا الحي في مكروهه *** ومؤمَّـلٌ يرجــــوه كلّ مؤمـِّـــلِ
3 ـ ولها أيضاً من الشّعر في وداع البراق :
تـــــزوّد بنا زاداً فلــيس براجــــعِ *** إلينـــــا وصالٌ بعد هذا التقــــاطعِ
وكفكف بأطــراف الــــوداع تمتعا *** جفونك من فيض الدموع الهوامع ِ
ألا فاجزني صاعاً بصاعٍ كما ترى *** تُصــــوِّب عيني حســرة بالمدامع ِ
============
المفـــــــــــردات :
(1)ـ قصيدة ليت للبراق عيناً وقصة ليلى : فقد أُنتِج أكثر من عمل فني لهما :
ـــ من قصّتها استلهمت أحداث فيلم (ليلى بنت الصحراء) عام 1937 وكان من بطولة حسين رياض وزكي رستم وراقية إبراهيم وبهيجة حافظ.
ـــ غَنّت القصيدة المطربة أسمهان بألحان محمد القصبجي وصوّرَت في فيلم ( أمـــــيرة الشرق ) عام 1938 وهو يحكي قصة ليلى العفيفة . غير أن اقتران المــــــلك فاروق بفريدة أخت شاه إيران أُوقف العمل بالفيلم .
ـــ وتعبيراً عن إعجاب الشاعرة نازك الملائكة بأداء أسمهان لهذه القصيدة قامت بتسمية ابنها الوحيد البراق رغم صعوبة هذا الاسم وندرته .
(2)ـ البَراق : هو أبو النصر البراق بن روحان بن أسد بن بكر من مرّة من بني ربيعة وهو من قرابة المهلهل وكليب. وكان شاعراً مشهوراً من أهل اليمن ، وكان في صغره يتبع رُعاة الإبل ويحلب حليب النوق ويأتي بها إلى راهب فيتعـــلّم منه تلاوة الإنجيــل وكان يدين بدينه. تولى البراق رئاسة قومه بني تغلب زمناً طويلاً، وصارت قبائل ربيعة بحسن تدبيره أوسع العرب خيراً. توفي نحو عام 479 م.
اترك تعليقاً