تاريخ

سوريا التاريخ المــــدن العشــــر (ديكاب)

لقد تكون حلف المدن العشر « الديكابوليس » أول ما تكوّنت ، أيام اليونان في بلادنا ، وذلك في القرن الثاني قبل الميلاد ، والمدن العشر هي ترجمة لليونانية ديكابوليس و«ديكا» تعني عشرة و«بوليس» تعني مديــــنة وبذلك يأتي اسم الحلف ، وكونت هذه المدن تحالفا تجاريا وســـياسيا وعسكريا فيما بينها ، ويتمتّع هذا الحلف بالرفاهية والاستقرار والبذخ الذي كانت تنعم بها هذه المدن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام في تلك الفترة. وجاءت فكـــرة تكوين هذا الحلف بداية من قبل اليـونان ، وذلك بعد مـــوت الإسكندر الكبير( 356 ـ 324 ) ق.م حيث أراد خلفاؤه بناء مدن تحمل أسماء مدنهم المكدونية التي يشتاقون إليها ، ولتصبح مراكز للحضارة اليونانية في بلادنا.

لقد تضاربت الآراء حول هذه المدن وتبعية كل منها للحلف ، وذكرت قوائم عديدة يضم كل منها عشر مدن ، ولكن قائمة « بليني » من القرن الأول قبل الميلاد ضمت المدن الأردنيـــــة فيلادلفيا “عمان” وجراسا ” جرش” وغادارا “أم قيس” وبيلا “طبقة فحل” وكذلك ذيون “أدون أو ديوم” وهيبوس “الحصن أو سوسيتا” بالإضافة إلى سكيثوبوليس “بيسان أو بيت شآن الفلسطينية” وداماسكوس “دمشق” وقناتا ” قنوات ” ورافان “أبيلا”.

ومن المرجح أنه كانت تسقط عضوية بعض المدن من الحلف وتحل أخرى مكانها تبعا لأنظمة وقوانين الحلف ، ولذلك نجد العديد من القوائم ، وتقول بعض الآراء إن بعض المدن كانت تتمتع بعضوية شرف فقط ، ولذلك نرى أنّ المدن كانت تزيد عن عشر في بعض الأحيـــان. ولكن من المؤكد أنّ مدن عمان وجرش وأم قيس وطبقة فحل وبيسان تمتعت بعضوية دائمة في الحـــلف حيث ذكرتها معظم القوائم وفي الفترات المتعاقبة.

ومن الخصائص العامة لمدن الحلف ، أنها كانت تتمتع بموقع استراتيجي منذ الأزل ، حيث بنيت معظمها على آثار قديمة لحضارات سابقة استوطنت المنطقة وإن هذه المدن كانت تتمتع باستقلال ذاتي وكانت تصك عملتها الخاصة بها ، وكان لكل منها طرازها المعماري وتحصيناتها الخاصة بها .

وعندما جاء الرومان بعد اليونان ودخلوا المنطقة من الشمال بقيادة «بومبي» سنة 63 ق.م ، قام بومبي بإرساء دعائم هذا الحلف ، وتنظيم دوره ليلعب دورا كبيرا في اسـتقرار المنطقة وضمان تبعيتها للإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف ، حيث أصبحت مدن الحلف بمثابة قلاع حصينة في وجه شعوب المنطقة المناوئين للرومان مثل الأنبــاط الذين كوّنوا في الجنوب مملكة نبطية قوية سادت المنطقة انطلاقا من عاصمتها البتراء.

وكان هذا الحلف ايضا بمثابة قاعدة لتثبيت النفوذ الروماني في المنطقة ، وتأكيد ولائه وتبعيته التامة لروما من خلال تبعيته للولاية العربية الرومانية القائمة آنذاك ، وكان لكل مدينـــــة من مدن ذلك الحلف مجلس شيوخ خاص بها ، وكان يتمّ منح حق اللجوء السياسي فيما بينها ، وترتبط كل مدينة بالباقية باتحاد فيدرالي ، ومن واجبات هذه المدن دفع الضرائب المباشرة إلى رومــــا ، وحماية طـــرق التجارة وتزويد الجيش الروماني المار أو المـــرابط بما يحتاجه من غذاء وعتاد وراحة وكذلك الإشراف على المدن والقرى المحيطة بها . وتشابهت هذه المدن فيما بينها بأنّ لها مخططا هندسيا شبه موحد من الأســـوار والأبراج والبوابات ، ولها معالم متشـــابهة تشتمل على المعابد والمسارح والشوارع وغيرها ، ولقد قُسمت المدن إلى مناطق ، فهناك المنطقة الدينيـــــة والمنطقة التجارية والمناطق الخاصة بالسكن وكانت هناك ايضا انظمة الري والصرف الصحي.

أما بالنسبة للاحتفالات وأماكن إقامتها فكانت تقام في المســــارح والمدرجات وبرك الميـــاه وميادين سباق الخيل ، حيث الاحتفالات الدينية والوطنية والألعاب والرياضات المختلفة ، ويدل كل هذا على العصور الذهبية التي كانت تتمتع به هذه المنطقة إبان تلك الفترة.

ومن الجدير ذكره هنا أن هذه الاحتفالات كانت تتم في المدينة في أوقات تختلف عن المدن الأخرى، وذلك لاستمرار التزاور والمناســبات والتوافد فيما بين هذه المدن بغرض المشـــــاركة في احتفالات الآخرين. ولا يستطيع أيٌّ منا إنكار أهمية ادأماكن إقامة مدن الحلف هذه من نواحٍ عديدة قبل وصول اليونان أو الرومان إليها، حيث ســـبقتهم جميعهم إليها حضــارات عربية كثيرة ، ولقد ساهم أهل المــــدن الأصليون مساهمة فاعلة في بناء وتشييد هذه المدن وتركوا تأثيراتهم ولمساتهم في معالمها سواء أكانوا معماريين أم فنيين أم عمالاً مهرة.

وقد ذُكرت المدن العشر ثلاث مرات في الأناجيل لتجوال السيد المسيح فيها ثلاث مرات .

الأناجيل التي ذكرت فيها :
ـــ إنجيل متّى : 4 : 25
ـــ إنجيل مرقس : 5 : 20
ـــ إنجيل مرقس : 7 : 31

والمدن العشر حسب تحديد بليني هي :
1 ـ دمشق ( داماسكوس) : سوريا
2 ـ قنوات ( كاناثـــا) : سوريا
3 ـ سوسيتا (هيبــوس) : سوريا
4 ـ آدون ( ذيـون ـ ديوم ـ تل الأشعري) :

عن الكاتب

جورج فارس رباحية

جورج فارس رباحية من مدينة حمص، أب لأربعة أولاد.
مهندس زراعي متقاعد.
خبير محلّف لدى المحاكم.
لي كتاب أمثال حمص الشعبية.
هواياتي كتابة مقالات تاريخية، أدبية، زراعية، دينية، توثيق آثار حمص والأوابد السياحية في سوريا.

اترك تعليقاً