يحتاج كل إنسان إلى أهداف ومبادئ تساعده على توجيه حياته, وتكييف سلوكه, ولكي يكون الإنسان راضياً عن نفسه يجب أن يكون له في الحياة أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره, والذي يتمثل في مجموعة من القيم والمثل العليا يسير على منهاجها طوعاً.
ولن يتوقف نوع الحياة وعمقها على توافر هذه الأهداف والمبادئ فحسب, بل على قوة الخلق والمثابرة فيها كذلك. وعندما ينعدم وجود هذه المبادئ والمثل, تفقد الحياة الشخصية دوافعها ومعانيها, وتبدو راكدة غير منتجة, وتضمحل الشخصية لحاجتها إلى هدف محدد متكامل.
وحاجة المجتمعات الإنسانية إلى مجموعة واضحة من القيم, تعدل تماماً حاجة الأفراد إليها, فالجماعات في المجتمع لها مثلها العليا وتنظيماتها التي تتضمن أسباب حياتها, وأسس نشاطها الفعال, ويقتضي تقدم الجماعة واطّراد إنتاجها, وجود أهداف مشتركة مقبولة, وإن الحاجة لمثل هذه الأهداف في حياة الأفراد والجماعات, تحدد للتربية والتعليم عملاً واضحاً, يحتاج تحقيقه إلى جهد شاق ليس في المدرسة والجامعة فحسب بل في البيت وغير ذلك من المؤسسات, وإن أهم نتاج للتربية هو أن تتخذ لها مجموعة من القيم البنّاءة الدائمة التي تخضع لها الجماعة الإنسانية.
غير أن مشاكل التربية ـ منذ قديم الزمان ـ كثيرة ومعقدة, وكلما وصل العلماء إلى حل طائفة منها حلاً مُرضياً, نشأت مشاكل أخرى, تتطلب الحل السريع, والتفكير السديد. ولكن همم العلماء العالية, وغاياتهم السامية, كانت تذلل العقبات, حتى ساعدوا المربين على النجاح والتقدم.
وقد حاول كثير من المربين أن يعرّفوا التربية, ولكنهم اختلفوا كثيراً في تعريفها اختلافهم في الغرض منها, قال أفلاطون: التربية هي إعطاء الجسم والروح كلَّ ما يمكن من الجمال, وكل ما يمكن من الكمال.
وقال أرسطو: إن الغرض من التربية إعداد العقل لكسب العلم كما تُعد الأرض للنبات والزرع, والتربية هي التي تجعل الإنسان صالحاً لأداء أي عمل, عامّا كان أم خاصّاً بدقة وأمانة ومهارة في السلم والحرب, كما يراها جون ملتون, ويرى هربرت سبنسر أن التربية هي إعداد الإنسان ليحيا حياة كاملة, وقال كانط: إن الغرض من التربية أن نصل بالإنسان إلى الكمال الممكن.
والحق إن كل تعريف من هذه التعريفات يحمل في ثناياه مثلاً من المثل العليا التي ينبغي تحقيقها, والوصول إليها, والمهم من أغراض التربية هو أن يحيا الإنسان حياة كاملة, وأن يعيش سعيداً, مُحِباً لوطنه, قوياً في جسمه, كاملاً في خلقه, منظماً في تفكيره, رقيقاً في شعوره, ماهراً في عمله متعاوناً مع غيره, يحسن التعبير بقلمه, ولسانه, ويجيد العمل بيده, وهذا كل ما نرجوه من التربية والتعليم.
وحين تقترن التربية بالتعليم, لا يعني هذا أبداً أنهما تعبيران لمنهج واحد, وإنما هناك فرق كبير بين التربية والتعليم…
فالتربية: هي إعداد الفرد بكل وسيلة من الوسائل المختلفة, كي ينتفع بمواهبه وميوله, ويحيا حياة كاملة في المجتمع الذي يعيش فيه, وتشمل التربية كافة النواحي التي مرّ ذكرها سابقاً, أما التعليم فهو ناحية من تلك النواحي المختلفة للتربية, فالتربية أعم من التعليم, بها نُحيي المواهب الفطرية لدى الشخص, ونوجهها توجيهاً صالحاً حتى تصل إلى النهاية المقدرة لها من الكمال.
د. جودت إبراهيم
اترك تعليقاً