أدب وفكر قصص قصيرة جداً

العرّافة

أسمع أنين طفلٍ!!! ولكن أين مصدره؟
لعلي أتوهم!!! لا ، الصوت يقترب مني يكاد يدمر أذنيّ الصغيرتيين.
يا رب ساعدني لأعلم ماذا يحدث حوليَّ.
تتقدم جوليا بخطواتٍ مرتعشة تكاد تجرُ قدميها بثقلٍ و كأنها مكبلةً بقيودٍ من حديدٍ.
ساد الصوت فجأة وكأن شيئاً ما قد حدث!!!
لم أعد أسمع أي صوت، ماذا حدث؟ أين اختفى؟
تقدمتْ بخطواتٍ حذرة وبيدها الشمعدان لتنير دربها في ذاك الظلام الحالك وبدت علامات الخوف واضحة فجمود نظراتها وشحوب بشرتها أكبر دليل على ذلك…. ولكن للقصة تتمة
ظلت تمشي وتمشي وذاك الصوتُ تارةً يعود وأخرى يتوقف وكأن في الأمرِ لغزاً وهي عاجزة عن تفسيره.
وفي أثناء تقدمها وقعت في حفرةٍ مظلمة شديدةِ السوادِ وأخذت تصرخ وتصرخ إلى أن اختفى صوتها تماماً كأنين ذاك الطفلِ وهناك حدث ما لم تتوقعه…..
بدأت تختفي تدريجيا، بدأت يداها بالشحوب والاندثار تدريجياً وأصابعها ومعصمها و زندها ومن ثم قدماها هكذا إلى أن غاصت في ظلمةٍ دامسة، كادت أن تختنق خوفاً في عالمٍ تجهله تماماً وفجأة عاد صوت الطفل ولكنه يتكلم مثلنا تماماً.
الطفلة: مرحبًا، أنا جوليا الصغيرة وأنا ماضيكِ أحدثك من عالمِ الطفولة.
جوليا: وماذا تريدين مني؟
الطفلة: أخبرتك مرارًا أن أحلامنا هي هواجسنا الخفية!!!
جوليا: ماذا تقصدين؟
الطفلة : هل نسيتِ ما أخبرتْكِ به العرافة في عيدك العاشر؟
جوليا: هل تقصدين أنني الآن جثة هامدة؟ ولكنّي رأيتُ منزلي وغرفتي و أمسكت بالشمعدان فكيف أكون ميتة؟
الطفلة: إن روحك ما زالتْ تتخبطُ في العالم الحقيقي لأنك غيرُ راضيةٍ عن أعمالك السابقة، وكيف قضيتِ حياتك في اللهو واللعب و أهملتِ واجباتك الدينية، ولنقل إنَّ هذا عقاب السماء العادل لتراجعي ذاتك وتصرفاتك علك ترقدينَ بسلامٍ…
صمتت جوليا لبرهةٍ ومن ثم صرخت بأعلى صوتها: لا أريد أن أموت ما زلت شابةً صغيرةً… يا الله لماذا أبعدت روحي عن جسدي؟
وهنا عند مناجاتها اضمحلت واختفت نهائياً تاركةً الطفلة تبكي حرقةً على مستقبلها وعلى قدرٍ أحمقٍ وضع تلك العرّابةَ في طريقها منذ زمنٍ لطويلٍ.

أريج باخص

اترك تعليقاً