خلال أعمال إعادة التأهيل لجدار حرم جامع حمص الكبير من جهة الصحن، التي تقوم بها مديرية أوقاف حمص ودائرة الآثار في المحافظة، جرى الكشف على الجانب الشرقي من قاعدة العمود التي تحمل في جانبها الشمالي كتابة يونانية معروفة.
وقد تبيّن أن الجانب الشرقي من قاعدة العمود يحمل بدوره كتابة يونانية قديمة تضم 205 محرفات وتمتد على ستة أسطر، علماً أن الكتابة على الجانب الشمالي تمتد على سطرين فقط وهذا نصّها الذي سبق لي نشره:
Κυκλοτερης κοσμοιο τυπος βασιλευς εκο
Εθνεα παντα εχοντα σοφαις φρεσιυ ηυιοχ
وترجمتي لهذا النقش:
الملك صورة الكون المستديرة انتصر على
الأقوام ونال كل الأشياء بقيادة عربة (حربية) بمهارة
وفيما قفز وادينغتون وهايمن للاستنتاج بأن هذا النص الذي يتحدث عن “صورة الكون المستديرة” باعتبار ذلك تكريساً لمبنى إله الشمس، كان تحليلي أن النص بصيغته المجردة عبارة عن تسجيل لنصر حربي هَزَم فيه الحماصنة بقيادة ملكهم الذي يحمل صفة ذات قدسية، غزواً أجنبياً من دون الاستعانة بأحد.
وهذا الوصف بتقديري ينطبق على النصر الذي حققه كاهن الشمس أورانيوس أنطونينوس الحمصي ضد جنود الملك الساساني سابور في النصف الأول من سنة 253 ميلادية عندما اعتلى أورانيوس عرش حمص منصباً نفسه ملكاً خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها روما.
ويؤكد النقشُ الذي تم اكتشافه اليوم، ولم يرد ذكره سابقاً في أية وثيقة تاريخية معروفة، الاستنتاجَ الذي توصلت إليه سابقاً بأن النص يرتبط بمعركة حربية على الرغم من تضمينه إشارات إلى بعض رموز الأساطير الشرقية.
وفيما يلي قراءتي الأولى لهذا النقش الجديد في محاولة لتسجيل أول توثيق له، مع التنويه إلى إشارة قسطنطين بن داوود في مخطوطيه “تواريخ حمص” و”الجغرافيا الكبير”، إلى احتمال استمرار النقش الأول إلى أوجه قاعدة العمود الأخرى، وقد صدق ظنّه في ذلك وإن لم يتمكن من مشاهدة النقش!
النقش باللغة اليونانية القديمة موزّع على 6 أسطر بأحرف كبيرة متلاصقة، وهذه مفرداته كما قرأتها وفككتها:
Ἀέριος ὁ ληπτικός ἐπιπτύπτει αμαχημόνων βαρβάρων ὁμάδι
Ἐκ κλύδωνος καλὴ οἰκείων ἐνέμον ἐπ᾽ ἠεροῦ
Συνέκεινεν ωρμίσας πῖχα μαχαίραις καὶ νέκους μαλλοῦσα
Αὐτὸς μορφωθεὶς εἰς τίγρις ἐν ἀντίον ἑωρῶν
Ἐκ κύκλου φόρον τυπόν ἄλλων ἀνάκτορος ἀγρίᾳ φύσει
Κοίρανος κῆξ ὀξέα μαχόμενος ἡμέρᾳ
وترجمتي لهذا النقش إلى العربية:
يُحلّق في السماء ليسحق البرابرة المحاربين
يأتي بصوت صارخٍ مخترقاً الهواء
يحطّم الدروع بالسيف ممزقاً العدو إلى أشلاء
ينقلب في الحال أسداً في مواجهة العدو
من أعالي التل تسمع هديره وهو يضرب بقوة وشراسة
بأسه الملكي يستمده من إله (الحرب) في ذاك النهار
ويجدد هذا النقش الإشارات إلى إله الشمس، فإله الشمس يُرمز له بالنسر الذي يحلّق في السماء. ويرد في النص إشارة إلى التل، وهو على الأرجح تل قلعة حمص. ويختم النص بالإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين القائد الملكي والإله (إله الحرب غالباً) الذي منحه القوة للتغلب على العدو وتمزيقه إلى أشلاء
المهندس عبد الهادي النجار
اترك تعليقاً