بارات كثيرة، أراكيل أراكيل أراكيل، سلاح متفلت، حفلات صباحية مسائية ( وطلّي من الشباك ) وأي شباك؟…
ضجيج ضجيج ضجيج، ضحكات ساخرة ساحرة متصنعة، استعراض كبير، تبذير، تهليل، تعليل…
الوجهة :
وادي النصارى، القلب النابض في سوريا الحبيبة، حيث تتشابك أصداء الماضي مع همسات الحاضر، يقف دير مار جرجس الحميراء شامخًا كالجبل، ومُشرقًا كالشمس التي تضيء أرواح زائريه.
هنا، في هذا المكان المقدس، يمتزج الإيمان بالتاريخ، والتأمل بالسكينة، في واحة هادئة يهرب إليها الباحثون عن السلام الداخلي، هاربين من صخب الحياة وضجيجها.
منذ قرون، ظل هذا الدير علامةً فارقةً في تاريخ وادي النصارى، فهو ليس مجرد بناء حجري قديم، بل هو منارةٌ للإيمان والتفاني، وشاهدٌ على مسيرة طويلة من العبادة والروحانية.
في وقت تحولت المنطقة المحيطة به إلى مركزٍ للاحتفالات والحياة الصاخبة، احتفظ دير مار جرجس الحميرا بمكانته كملاذٍ للهدوء والتأمل، ليظل مقصدًا للراغبين في الهروب من أعباء الحياة واستعادة توازنهم الروحي.
لكن ما يميّز الدير أكثر من أي شيء آخر هو أولئك الرهبان الذين يعيشون بين جدرانه.
هؤلاء الرهبان، بابتسامتهم المتواضعة وضحكاتهم التي تنبثق من قلوبٍ نقيّة، يعطون للدير حياته.
كل زائر يجد فيهم نموذجًا للبساطة والتواضع، فلا شيء يصعب عليهم حينما يتعلق الأمر بخدمة الآخرين.
يرحبون بالجميع بصدرٍ رحب، وملامحهم الهادئة تنقل رسالة السلام الذي يعيشه الدير. رغم مسؤولياتهم الروحية الكبيرة، تجدهم دائمًا مستعدين للمساعدة، من دون أي تكلّف أو مبالغة.
لا تستطيع المرور في الساحة الكبيرة دون أن تتلقى دعوة من هنا على كاسة متة، أو فنجان قهوة ، لترتاح من هموم وضجيج الوادي العظيم..
ضحكة وترحيب رئيس هذا الدير (لم أتمكن من نطق اسمه الجميل حتى اليوم هههه) هي تجسيدٌ حي لروح المكان، فهي ليست مجرد ابتسامة عابرة، بل هي انعكاسٌ لسلام داخلي عميق، وترتيب عظيم لبيت أصبح محجاً لشبيبة غارقة في دنيا صخب وهموم كبيرة…
قد تقول: -يا من تقرأ هذه السطور- هم مجرد أشخاص يعيشون في مكان واحد، يبتعدون عن الواقع، لا يقدّمون ولا يؤخّرون في هذه الحياة .
ولكن بعد جلسات كثيرة تلتمس من الآباء سعة المعرفة، والانفتاح الكبير، والقبول والتواضع ، والأهم هو الإصغاء..
هذا السلام والحب يعيشونه ويشاركونه مع كل من يقترب منهم… يتعاملون مع الزوار بكل حب وتواضع، يجعلونك تشعر أنك في بيتك، وأنك في حضرة أناسٍ يعتنون بك ويهتمون لسلامة روحك.
وبينما تضجُّ المنطقة الخارجية بالحفلات، يبقى الدير كالجوهرة المخفيَّة، ملجأً لكل من يبحث عن لحظة هدوء وسط العالم المتسارع.
تلك اللحظات التي يقضيها الزائرون في الدير لا تُنسى، فهي ليست فقط فرصة للتأمل والصلاة، بل هي أيضًا فرصةٌ للتواصل مع هؤلاء الرهبان الذين يعكسون بروحهم النقية جوهر الرسالة المسيحية.
ورغم كل ما تغيّر حوله، يظل دير مار جرجس الحميراء وفياً لمبادئه، محافظًا على قدسيته وروحه، تحتضنه بسمات الرهبان المتواضعين، وتظلله أرواح الباحثين عن السكينة.
في هذا المكان المقدس، يجد الزائرون أنفسهم أمام تجربة فريدة؛ فهم ليسوا مجرد ضيوف، بل جزء من حكاية طويلة تتحدث عن الإيمان، الحب، والسلام.
اترك تعليقاً