أقام فرع اتحاد الكتَّاب العرب في “حمص” يوم أمس الثلاثاء 22 تشرين الأول ضمن نشاطه الأسبوعي الدوري محاضرة حملت عنوان “ممدوح السكاف.. مواقف أدبية وحياتية” قدَّمها الدكتور “غسان لافي طعمة” وحضرها لفيف من الأدباء والشعراء وبعض المتابعين من الأصدقاء.
بدايةً رحَّبت الأديبة والشاعرة “أميمة إبراهيم” رئيس المكتب الفرعي بالحضور واستحضرت في كلمة لها، بعضاً من ذكرياتٍ لها مع الأديب والشاعر الراحل. بعد ذلك بدأ الدكتور “غسان لافي طعمة” محاضرته بإلقاء قصيدةٍ كان قد ألقاها خلال حفل تأبين أقيم للشاعر الراحل يومها في المركز الثقافي.
من ثم، قدَّم المحاضر تعريفاً مختصراً لحياة الراحل أوضح فيه، بأنَّ اسمه الحقيقي هو “ممدوح بن رضا الهاشمي” المولود في “رأس المقيصلة” ضمن حيِّ “باب الدريب” سنة 1938 وبأنَّ اللقب الذي حمله الراحل جاء اعتزازاً بمهنة والده الذي كان “إسكافياً” وأمِّياً إلى جانب والدته أيضاً؛ لذا كان إهداء مجموعته الشعرية الأولى عام 1977 التي حملت عنوان “مسافةٌ للممكن، مسافةٌ للمستحيل” موجَّهاً إليهما قائلاً فيه: «إلى أبويَّ الأميَّين هذه القصائد وقد علماني بالدَّمع والفقر والانتظار».
مما ذكره الدكتور “غسان لافي طعمة” عن أهمِّ محطَّات حياة الراحل “ممدوح السكاف” الذي كان يمثِّل ذاكرة “حمص” المتوقِّدة مذ أن قام بإنزال العلم الفرنسي ورفع العلم السوري مكانه أمام “موقع حمص” حينما كان طفلاً في عامه الثامن فقط، تلتها مرحلة نشره مقالات في صحيفة “الينبوع” لصاحبها “عبد الودود تيزيني” مقابل نصف ليرةٍ عن كلِّ مقال.
ومن المحطَّات الهامة تقرُّبه من أدباء وشعراء المدينة أمثال الشاعر “وصفي قرنفلي” حيث كان ملازماً له خلال مرض “الباركنسون” الذي أصيب به، وكذلك معرفته بالأديب “عبد الباسط الصوفي” ومعه “عبد السلام عيون السود” و”موريس قبق” الشاعر المنتحر صمتاً والذي كتب عنه وعن الآخرين مقالات عديدة.
يتابع المحاضر متحدِّثاً في محطَّة أخرى، عن دور الشاعر “ممدوح السكاف” الثقافي والأدبي وما قدَّمه من دعمٍ وتشجيعٍ للمواهب الأدبية أثناء عمله نقيباً للمعلمين، ومن ثمَّ مديراً للمركز الثقافي، ورئيساً لفرع “حمص” لاتحاد الكتَّاب العرب طيلة خمسةٍ وعشرين عاماً. وما ميزَّه حفظه للتراث الشعري العربي وللشعراء المعاصرين كذلك، ومما كان يردِّده بشكلٍ دائمٍ هما بيتان للشاعر اللبناني “بشر فارس” يقول فيهما:
وهناك في الوادي غديرٌ تائهٌ متلفِّتٌ بين الصخورِ نفورُ
يأتي الصباحُ فيستحمُّ بمائه وينامُ عند ضفافهِ الديجورُ
كما أنَّه دائم الترديد، لبيت الشاعر “أبي القاسم الشابِّي” الفريد في الشعر العربي القائل فيه:
جفَّ نبعُ الحياةِ فيا قلبي الشاكي
هيَّا بنا نُجرِّبُ الموتَ، هيَّا
الدكتور “غسان لافي طعمة” بيَّن حالة العشق التي كانت بين الراحل “ممدوح السكاف” ومدينة “حمص” التي لم يقوَ على فراقها لأكثر من عشرين يوماً حينما سافر مدرِّساً معاراً إلى “الجزائر” آنذاك في آواخر سبعينيات القرن الماضي حيث فوجئتْ به عائداً منها دون علمٍ مسبق. كما أنَّه رفض مهمة تكليفه رئيساً لاتحاد الكتَّاب العرب والإقامة في العاصمة “دمشق” كي لا يبتعد عن محبوبته “حمص”.
من المحطَّات التي توقَّف عندها الدكتور “غسان لافي طعمة” هي حالة الطفولة التي كانت تعيش في داخل “ممدوح السكاف” واصفاً إياه بالطفل النقِّي؛ لذا فقد أبدع في كتابة قصائد وأناشيد الأطفال. كما أنَّه كان شاعراً في سلوك حياته اليومية وهذا ما جعله شخصاً محبوباً من كلِّ الذين عرفوه عن قرب، إضافةً للنزعة الصوفية في أعماقه والتي جعلته أيضاً إنساناً متواضعاً جداً.
في محطَّة تالية توقَّف المحاضر عند شعر الراحل “ممدوح السكاف” واصفاً إياه بالشاعر الرومانسي، والحداثي، بل الموغل في الحداثة الشعرية، وبأنَّ شعره تميَّز برومانسية الحداثة، إلى جانب تمكُّنه الرسم بالكلمات، عدا عن غنى المعجم اللفظي الشعري لديه، وقدرته على التكثيف والإيثار والإدهاش لدى مخيِّلة القارئ. من ميزاته أيضاً هو الإيقاع الموسيقي الذي تتَّسم به قصائده في وقتٍ هرب الكثير من الشعراء عن استخدام الموسيقا في القصيدة. كذلك تلاحظ براعته بإبراز فيما سمَّاه النقَّاد القدامى “نوافر الأضداد” حيث تبرز تلك البراعة في توظيف النوافر الضدية، من أجل رسم المشهد وإيضاح الفكرة ونجد ذلك في قوله:
لن تقبليني ذابلاً كالليل يسطعُ ظلمتي قمرٌ ضرير
لن تقبليني خاسر الرغبات في دمي المؤجج يغتلي ثلجٌ مرير
نوَّه الدكتور “غسان لافي طعمة” في المحطَّة الأخيرة على أنَّ الراحل “ممدوح السكاف” لم يكن من عبيد الشعر، بل هو صائغ شعري دقيق في حرفته لا تخرج الجوهرة من بين يديه، إلاَّ في تمام صقلها، فشعره عسلٌ مصفَّى من خلايا روحه التي عبَّرت عن مطالبها من خلال جسدٍ إنساني محيِّر، تلك المطالب التي تتجسَّد في الانعتاق والهرب، من الموت والخوف.. والحب والجنس ولذلك توهجَّت اللغة الشعرية إلى درجة كبيرة على يديه.
في نهاية المحاضرة أجاب الدكتور “غسان لافي طعمة” على بعض مداخلات الحضور.
اترك تعليقاً