تعتبر الثورة التكنولوجية الإلكترونية التطورية التي شهدها العالم في بداية القرن العشرين فتحاً خارقاً استفادت منه العلوم والمهن كافة بما فيها المهن الطبية على اختلاف تخصصاتها، فالتقدم الذي شهدته المعدات والأجهزة الطبية يعتبر قفزة نوعية مقارنة بما كانت عليه الطرق التشخيصية والعلاجية فيما مضى.. ولكن هذا التقدم التقني ومع الأسف الشديد لم يرافقه إلا تراجع في الأخلاقيات المهنية الطبية..
فلقد تعرضت، منذ حوالي 15 سنة لعارض صحي استدعى مراجعتي لأكثر من عيادة وقد أذهلني أسلوب تعامل أحد الأطباء الأفاضل الذي رفض استلام إيصال سند القبض لرسم الكشف الطبي وأصر على إعادة المبلغ المسدد قائلاً: هذا شيء معيب أن نأخذ أتعاباً من زميل في المهنة فعلينا أن نتعاون لنحافظ على تقاليد مهنتنا الطبية. فخرجت شاكراً ومقدراً لأخلاقيات هذا الزميل الطبيب الراقي، وفقه الله وسدد خطاه والذي ذكّرني بالقسم الطبي المعروف بقسم أبقراط والذي ينص:
أقسم بالله العظيم
* أن أؤدي عملي بالأمانة والصدق والشرف.
* أن أحافظ على سر المهنة وأحترم تقاليدها وأن أراقب الله في مهنتي.
* أن أصون حياة الإنسان في أدوارها كافة، وفي كل الظروف والأحوال باذلاً وسعي لإنقاذها من الموت والألم والمرض والقلق.
* أن أحفظ للناس كرامتهم وأستر عورتهم وأكتم سرهم.
* أن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله باذلاً رعايتي الطبية للقريب والبعيد، للصالح والطالح، للصديق والعدو.
* أن أثابر على طلب العلم وأسخره لنفع الناس لا لضررهم.
* أن أوقر من علّمني وأعلّم من يصغرني وأكون أخاً لكل زميل في المهنة الطبية متعاونين على البر والتقوى.
والله على ما أقول شهيد.
واليوم ومع الأسف فإن الأخلاقيات الطبية في تراجع مستمر وقد غلبت النواحي المادية عليها، فعلى الرغم من أن أخلاقيات المهن الصحية موجودة منذ عهد الإغريق والفراعنة إلا أننا بحاجة ملحّة لتذكير الأطباء والمؤسسات الطبية بتلك الأخلاقيات وضرورة تدريسها في الجامعات والكليات ليكون العلم والأخلاق متوازيين قبل التطبيق العملي.
فمنذ عدة أيام اضطرتني الآلام لزيارة إحدى المستشفيات الشهيرة والكشف عند الطبيب المتخصص الذي لم يكلف نفسه قراءة الفحوصات المخبرية السابقة رغم حداثتها (لم يمضِ عليها عشرة أيام) وأكد بعدم الاعتراف إلا بالفحوصات في المستشفى الذي يعمل فيه!! وأضاف إنه بحاجة لصورة تشخيصية بالرنين المغناطيسي (MRI) رغم عدم ضرورة ذلك في المراجع والأبحاث الطبية المتعلقة بالمرض كافة!!
إننا وصلنا كما أظن إلى نقطة اللاعودة.. فكيف سيكون المستقبل؟؟
وهل مع هذا التطور (التراجع) سيُلغَى قسم أبقراط للخريجين من الكليات الطبية؟؟
سؤال برسم إجابتكم ودمتم وسلمتم.
الدكتـور/ قيصـــر كبـاش
مدير التحرير
المدير الطبي لعيادات لابوتيه لطب الأسنان والجلدية والتجميل
اترك تعليقاً