مرهف شهله
في التاسع من شهر أيار عام 2014 انتهى النزاع المسلح في مدينة حمص، وعاد نبض الحياة إلى أحيائها القديمة بعد توقف دام لسنوات.
نزاع مسلح ظالم هجر الأهالي تهجيراً قسرياً قاسياً، وشتت العائلة الواحدة داخل حدود الوطن وخارجه.
تعرضنا لكل أنواع العنف خلال فترة هذا التهجير القاسي الطويل، وخسرنا معه الكثير والكثير من آمالنا وأحلامنا وطموحنا.
قتل وخطف، خوف وقلق، عناوين تلك الأيام الصعبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
دخلنا إلى أحيائنا وبيوتنا ومدارسنا في ذلك اليوم التاسع من أيار، والدموع تغرق عيوننا وملامحنا، دموع الفرح الممزوجة بالحزن، الفرح لعودة كنا قد فقدنا الأمل فيها، وحزن لما وجدناه من دمار وخراب تعجز الكلمات عن وصفه، فقد حاولوا أن يغتالونا اغتيالاً جماعياً بهدم وحرق بيوتنا وأسواقنا ومدارسنا وكنائسنا وجوامعنا.
بتخريب وتدمير وسرقة البنى التحتية، برمي أرزاقنا في الطرقات، بتشويه تراثنا ومحو ذاكرتنا التاريخية التي نفتخر بها.نعم اغتالوا حلمنا بوطن متقدم متحضر لطالما آمنا فيه.ولكن نسوا من نحن، نسوا قراءة تاريخنا، نسوا أننا أبناء مدينة حمص، أبناء سورية العظيمة التي امتد تاريخها إلى سبعة آلاف سنة. نسوا أن حمص مدينة تعرضت لحروب وزلازل وبراكين عبر تاريخ وجودها، ولكن في كل مرة كان أبناؤها يعيدون بناءها لتبقى من أقدم المدن المأهولة في العالم.
نسوا أنها المدينة التي قال عنها المؤرخون والباحثون أنها مدينة بنيت فوق مدينة.
في ذلك اليوم نهضت حمص من تحت الدمار لتبدأ سريعاً بنفض غبار الحرب والمعارك عن كاهلها، ليعود الدم النقي الصافي إلى شرايينها وأوردتها، بعدما توقف عن الجريان بسبب أصوات الهاون والقذائف وأزيز الرصاص الغادر.
نعم هؤلاء أبناء حمص، أبناء سورية يبنون بلدهم اليوم، رغم توالي الأزمات عليهم: من ويلات الحرب، إلى جائحة “كورونا”، إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية بشكل كبير والتي تزداد قسوة يوماً بعد يوم، إلا أنهم ما زالوا يبنون بيوتهم ومدارسهم وأسواقهم ومشافيهم ومستوصفاتهم رغم كل الصعاب.
نعم هذا اليوم ذكرى ولادة جديدة للإيمان والقوة في قلوب جميع الحمصيين، من أجل بناء سورية بلد المحبة والسلام.
عشتم وعاشت سورية وطناً عزيزاً مكرماً.
اترك تعليقاً