ثقافة من ذاكرة الجريدة

رجل شرقي متحضِـّر

رجل شرقي متحضر

قبل خروجهما قال لها: “أهواكِ جميلة كما أنتِ وجسمكِ الرشيق يبدو أروع بهذا الفستان القصير الذي جلبتُهُ لكِ في عيد ميلادكِ” وفي طريق العودة كانت تبكي لأنَّ غضبه من نظرات الناس إليها أفسد عليها السهرة.. وكان يرغي ويزبد “لا أريد أن أراكِ بهذا الفستان مرة ً أخرى”.

كانا معاً في الجامعة والحب يجمع بينهما والخطوبة تزينه.. لديهما أصدقاء وصديقات يخرجان معهم ومعهنَّ.. بعد التخرج تزوَّجا.. بقي هو يخرج معهم ومعهنَّ، وأصبح لزاماً عليها أن تخرجَ معهنَّ فقط..

كان شرطها للزواج ألا تتركَ عملها الذي تحب وقـَبـِلَ بقناعةٍ تامة، لكنه كان يريد الطعام جاهزاً عند قدومه والبيت نظيفاً وكل شيء على أتمّ استعداد، وحققت ذلك وأكثر.. وجاء الطفل الأول وعندما حان وقت عودتها إلى عملها لم يقبل بوضع الطفل عند مربِّية ولا بإدخال مربية إلى البيت، ولا بوضعه عند جدته حتى لا يتعبها، مع بقاء الغداء في موعده والبيت مرتباً كالعادة.. لكنه لم يرفض مبدأ عملها خارج المنزل بل إنه يشجعها عليه دائماً.. رجل شرقي متحضِّر يصارح امرأة متزوجة بحبه، وعندما يعود إلى البيت يصارح زوجته بحبه كي لا تتعرض هي لما أقدمَ عليه هو.

ذهبَ إلى أميركا وتعلَّم من الغرب أنَّ الحبَّ جميلٌ وعفوي بكل طقوسه.. وعندما علمَ أنَّ أخته مغرمة قصَّ شعرها وضربها بعصا شرقية، ومنعها من الخروج إلى المنزل، ثم ذهبَ إلى مقابلة صديقته، وهو يسرع مراقباً الساعة فقد سببت له هذه المشكلة تأخيراً بسيطاً عن موعده الهام.

يخرج معها، يرافقها دائماً.. تعجبه صحبتها وحديثها.. تلك الفتاة الواثقة من نفسها، الرنانة، فهي صديقته وربما يحبها.. لكن عندما يريد أن يتزوج يطلب من أمه أن تختار له عروساً نائمة في منزل أهلها وشرطه الأول أنها لم تمش ِ مع شابٍ قبله…

أحبَّها فنـَّانة موهوبة مبتدئة، وارتبط بها.. بقي يحبُّها حتى أصبحت مشهورة، فاقتضت غيرته التقليدية أن يطلِّقها بعد أن خيَّرها بينها وبين الفن..

وعدها بالزواج.. وبالحب الأبدي.. تعهَّد أنَّ حبه لها ليس نزوة ً عابرة، فهو رجلٌ متحضِّر.. وعندما كان له ما أراد.. أصبح مشغولاً جداً…

اتفقا على أن ينجبا ثلاثة أطفال، فأنجبت له ثلاث بنات، فنسي الاتفاق وأصبح يحب العدد أربعة لعلَّ الرابع يكون ذكراً..

يقف على قارعة الطريق مع أصحابه الفارغين يراقب الفتيات، ويمارس مهنة تمشيط الشوارع بالنظرات، وإذا مرت أخته ذهاباً وإياباً يبتسم لها أمامهم ويرفع يده بالتحية فهو شابٌ متحضر، وفي المنزل.. يكون الحساب عسيراً ولن ينام قبل أن يرى دموعها..

د.لين غرير

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً