تحقيقات من ذاكرة الجريدة

أنـاس تحت الاختبار

كما هي العادة – الخاسر الوحيد هو المشاهد

لا نستغرب أن يقوم العلماء بمراقبة واختبار السلوكيات التي تسلكها بعض الكائنات الحية نتيجة وضعها في بيئة ما، أو تعريضها لظروف خاصة، أو حقنها بمادة كيميائية مبتكرة، أو إجراء تجربة علمية رائدة عليها.. بغية تطوير العلوم البيولوجية أو الطبية أو الدوائية.. مجنّبة بذلك الإنسان من خوض تجارب كهذه، غريبة ومريرة ومجهولة النتائج، وقد تودي بحياته..

أكثر أبطال هذا النوع من الاختبارات هم الفئران نظراً لكون جيناتهم هي الأكثر شبهاً بجينات البشر (حديثاً تبين أن جينات الدجاج هي الأكثر شبهاً). وهكذا فإن العالم الذي يريد إجراء اختبار ما، ما عليه إلا أن يملأ قفصاً كبيراً بالفئران، بيضاء كانت أم سوداء، مستخدماً لأجل ذلك إغراء الجبنة الذي لا يقاوم، فيصير بإمكانه مراقبة النتائج والسلوكيات، بل وحتى دقائق الأمور..

أما ما نستغربه في هذه الأيام فهو أن الإنسان هو من بات مستهدفاً في محطات التلفزة التي رأت فيه مادة مشوقة ومثيرة للغاية (كما يحدث في البرنامج المدعو “أكاديمية النجوم”، وليعذرني متابعوه من المريدين والمرغمين)، فإذا به يخضع لسلسلة من الاختبارات والتجارب والدروس الغريبة والمبرمجة بعد استدراجه إلى قفص، أعني إلى مكان مغلق مزروع بالكاميرات، بحجة لا الجبنة، هذه المرة، بل صناعة المواهب وخلق القدرة على الغناء وفيما بعد الشهرة (وما أسهلها في هذه الأيام)..

ويجلس المشاهدون المخدوعون إذ يظنون أنهم يتابعون مواهب فنية ناشئة، فإذا بهم يراقبون مجموعة من الفتيات والفتية في كل أحوالهم، يأكلون ويشربون وينامون ويثرثرون ويبكون لأتفه الأسباب، و”يتمايعون” في أغلب الأوقات، ويتغازلون أو يتبادلون القبل بكل بساطة و”كلما دقّ الكوز بالجرة” (بحسب القول الدارج).. ولا شيء مشترك بينهم إلا كونهم لا يملكون حتى أدنى مقومات الموهبة والصوت والأداء، ولا أدري ما الجدوى من تدريس أمثالهم؟! أو محاولة الأساتذة خلق فنانين من لا شيء؟ خاصة وأن رياح اختيارات الجماهير العريضة تأتي غالباً بما لا تشتهي سفن آراء الأساتذة، كحال المرشحة التي كانت تعود للبرنامج بعد كل مرة ُطرح فيها اسمها للمغادرة.

وهكذا تضيع كل يوم ساعات طوال، أقرب ما تكون إلى الإدمان منها إلى المتابعة!.. ناهيك عن القدوة السيئة التي يتعلمها الصغار والشبان.. وبالنتيجة – كما هي العادة – الخاسر الوحيد هو المشاهد، أما الشيء المؤكد الذي سيتعلمه طلاب الأكاديمية في نهاية الأمر فهو الميوعة والغزل، والسخافة والدجل، والمداعبة والقبل… فما العمل؟

م. بشـار منصور

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.

2 تعليقات

  • An fascinating dialogue is value comment. I think that you need to write more on this matter, it may not be a taboo subject however typically individuals are not sufficient to talk on such topics. To the next. Cheers

  • I’m just writing to make you know of the superb discovery our girl went through visiting yuor web blog. She learned too many details, including what it’s like to possess an ideal teaching style to get the rest completely fully grasp specified problematic issues. You undoubtedly surpassed my expectations. I appreciate you for distributing the priceless, healthy, explanatory and as well as easy guidance on your topic to Emily.

اترك تعليقاً