التكلُّم بالأمثال طريقة تعبيرية تبنّتها عدّة شعوب في العالم القديم والحديث، فالشعوب في كل أقاصي الأرض من مشرقها إلى مغربها وعلى اختلاف ثقافاتها لها أمثالها. (يعني عقولة جدي: يا جدي المثل ما خلى شي وما قالو)، وبرأيي الشخصي: حكمة الأمم والأجيال تقرأ من أمثالها.
التكلُّم بالأمثال طريقة تعبيرية تبنّتها عدّة شعوب في العالم القديم والحديث، فالشعوب في كل أقاصي الأرض من مشرقها إلى مغربها وعلى اختلاف ثقافاتها لها أمثالها. (يعني عقولة جدي: يا جدي المثل ما خلى شي وما قالو)، وبرأيي الشخصي: حكمة الأمم والأجيال تقرأ من أمثالها.
وهنا من المفيد أن نعرف أن الأمثال الشعبية القصيرة المسجَّعة (المبنية على الموازاة الشعرية المكونة من شطرين) لها مصادر عدة فمنها ما استمد من حادثة واقعية، أو من حكاية أو نكتة شعبية. ومنها ما كان خلاصة تجارب وممارسات عديدة كانت تلجأ إليها بعض الشعوب، ومنها ما يحمل وصفاً دقيقاً لأعمال النفس البشرية أو التجربة الإنسانية العامة.
وفيما يلي نستعرض الرابط بين المثل الشعبي الشهير في بلاد الشام: “اللي سبق أكل النبق” أو “ضربني وبكى وسبقني واشتكى” والآية الكتابية من سفر الأمثال: “الأول في دعواه محق، فيأتي رفيقه ويفحصه” (أمثال 17:18)، من خلال عرض الحادثة الواقعية التي استمد منها المثل الشعبي، وإظهار أوجه الشبه والاختلاف مع الآية الكتابية.
رُوِيَ أنَّه جاء إلى قراقوش (أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب بهاء الدين 597هـ. وقراقوش معناها بالتركية النسر الأسود) شاب مضروبٌ يشكو مَن ضربه، فأرسل قراقوش معه أحد غلمانه ليُحضروا الضارب، فلما وصل الخبر إلى الضارب أسرع ووقف إلى جانب قراقوش ولـمّا عاد المضروب وغلام قراقوش سارع الضارب إلى القول هو الذي ضربني حتى أشرفتُ على الموت فقال قراقوش: احبسوا هذا الشاب الذي جاءني أولاً فإن الذي يَشكيه قد سبقه في الشكاية، أما هو فقد تأخّر مع من أرسلتُهُ معه. فقال الشاب المضروب: يا سيدي كنا نبحث عنه فما وجدناه، وأسأل غلامَكَ الذي كان معي. فقال قراقوش: لا حقَّ لك في الشكاية، فالكفُّ لمن سَبَقَ وأنت تأخرتَ ولهذا أُسقِطَ حقَّكَ ولا أسمعُ قولَكَ. فقال الناسُ “والله لن نبقى في هذا البلد ما دمتَ حاكماً فيها”. ومن هذه القصة انطلق المثل القائل “اللي سبق أكل النبق”.
وكما هو واضح فمعنى هذا المثل يتلخص بالسطور التالية:
من يسبق في العمل أو في الحضور فهو الذي يحصل على القسم الأجود والأفضل، كمن يسبق إلى نبتة النبق فيقطف ثمرها أو يأكله قبل وصول الغير إليها. ومن يسبق أولاً في تبرير نفسه تكون له الأفضلية في إثبات رأيه.
اللافت في هذا المثل الشعبي أنه يستخدم القسم الأول من الآية “الأول في دعواه محق” دون الأخذ بالقسم الثاني “فيأتي رفيقه ويفحصه”. فالمعنى في الجزء الأخير يدعونا ألا نسمع من طرف واحد، ونحكم بل الأفضل أن نسمع الطرفين. فالإنسان تعود أن يلقي اللوم على الآخرين بدءاً من آدم وحواء مع الله وحتى زمننا هذا. فمن نسمعه أولاً نظن أننا قد عرفنا منه الحق، ولكن إذا أتى الطرف الآخر وفند ما سمعناه من الطرف الأول، قد يظهر لنا ان ذاك الطرف هو الخاطئ. لذلك ليس من الحكمة ولا من العدالة بحسب هذه الآية أن نصدر حكماً-ولو في فكرنا-دون فحص الأمر من كل جوانبه. وهذا ما نراه بشكل جلي أكثر في آيةٍ من السفر ذاته: “من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار” (أم 13:18)
فكم يليق بنا كبشر أن ننصت لكل الأطراف لإحقاق الحق. آخذين بعين الاعتبار أن كل طرف إنما يتطلع إلى الأمر من وجهة نظره مبرراً تصرفاته ملقياً بكل اللوم على الطرف الآخر، وكم في زمننا هذا من يحكم بيننا حكم قراقوش ويفتقر في فحصه لحكمة سليمان الحكيم. فلك الخيار والاختيار في فحصك الأمور وحكمك عليها.
الشماس نكتاريوس سعد
اترك تعليقاً