ثقافة

تحية الصباح

تحية الصباح

مناهل النداء ارتواء

هب نفسك تعلو رغبة في توكيد طلب، حيث مسعى صوب غاية أو حاجة، فتدفع ذاتك مكانا تصعده في متسع تأمل، و فضاء بصيرة تطل من نوافذ المدى رحابة تفاعل ما بين ذاتك، وذاتك والحياة علاقات، وغنى صدى فترتسم على مدارج الحروف حروف للنداء ثمانية، تلاوينها أطياف قوس قزح في جماليات المعاني البلاغية دلالة، وفي ظلال هاتيك الأطياف تأخذك نفحات العبق لثراء اللغة أنساقا، و لمعطيات المعاني أغراضا تفعل فعلها في توكيدهما معا عالية الحضور في مطالع كل نداء، و ما يروح إليه في عوالم مضامينه، و انزياحاته، فيصير المعنى الحاضر جسر عبور إلى مغانم تعزف على قيثارة الفكرة أنغام قيم و معارف مضافة، فتغدو الفكرة جذر طلب، ترانيم إيقاعات، لدلالات ودلالات، وحسبنا أن يكون النداء في منهل من مداه، لكأنه واسطة عقد عبر المتقد في مكامن الروح ومكنونات النفس، ومخزون سبائك الأفكار وجدل الذات والحياة ضمن مركزية التفكر في مدارات العقل، فينهض النداء صوتا مدويا في مرامي الأعماق، وعلى أطباق المدى يتردد الصدى تدافع أمواج في بحار كل مرتجى نداء يكثفه حرف / يا / سرحا على عبارات، هي المعنى والمنهل والاستجابات هي مباهج الآمال في ارتواء الصوت وغناه معنى فيكون النداء: / يا أنا/ نداء أكباد إلى أكباد.

في ثنايا الروح، ومنعرجات ووهاد هاتيك الغافيات عصورا، وعلى متكأ قوافي المعلقات، وسرائر النفوس وحيرة الحضور الناجز في منعطفات حكايات وتراث ما بين القصائد ومقطعات اتسعت الصحارى، ومضارب القوم، وأنفاس الشعراء، وصروف المكان لأكثر من نداء، فكان التجذر انتماء للمكان هوية وللمحبوب تجذر تعلق، وعراقة حضور مابين صورتها مكانا، و قيمتها مصداقية وجد وإن ((أقوت وطال عليها سالف الأمد)) هي تلك الديار حبذا ساكنوها من كانوا، فيكون الدعاء حفاوة محبة لدار ((عبلة)) مطلع كل صباح، دعاء يوقده بعاد، ويصطليه صد، و يؤلمه موات ماض مكتنز الذكريات غائر فيما مضى، وأين له أن يعود؟ عسى تقول حجارة الدار، لكن (أعيت جوابا وما بالربع من أحد) هو النداء ذاته في حرقة إدراك تأملي يفوق عاطفة الحب والوجد عبر تساؤلات فلسفية في زحام تعاقب أزمان وقلق مصير، وحيرة عابر، فأين لحادي العيس أن يعرج والقوم ((بالأمس كانوا هنا، واليوم قد رحلوا))؟ فجميل النداء حشرجة صوت تغص بها أنفاس الأساليب يكثفها الدعاء: (لا حملت رجلاك يا جمل).

وهو النداء (بنت جبل) لصوت النداء في فسيح واد بين جبلين يرتد الصدى انكسارات ألف صوت وصوت، وهيهات هيهات يكون المرتجع (يا حسرة ما أكاد أحملها …….) إنها مواجع الاغتراب في ثنائية سعة الادراك وتفاصيل الأسى، ومغالبة تضاريس قلما حدبت على: من جد وجد فكان آخرها مزعجا وأولها …
هو حال الإغراق في عميق كل تفكر، ودأب كل تدبر يقرؤه الوعي النابه مثاقفة واقع وجودي، وحياتي، وحيثيات كل تباين فتنسرب في أعطاف الشدو: يا غربة الروح! إن المفكر يحيا سائما مسؤوما … ضمن مرثية / الشابي / في غنائية وجدانية تطرق أبواب الحياة.

إنه النداء بوح صمت مهذب في أعماق الذات نجوى النفس للنفس ما بين واقع طالما تشاطره قلبان، وقد عز في ملاوعة فكان متاعب يبلسمه صمت (يا من يفكر في صمت ويتركني) فلعل ثراء تجارب دنيا الشعر والشعراء ترافدت وتلاقت (إذا رحم الله الهوى، كان صرحا لخيال فهوى)

وفي مرتكزات الشهامات، ودنيا الحياة، الحياة ونبالة كل انتماء وتجذر يصير للحياة النداء أغنيات فرح، ومساكب من تعاقب أجيال، مداها كل عز وفخار ما بين بطولات وتضحيات لحياة حرة كريمة (يا عروس المجد تيهي) ولجمال الوطن عراقة أبجدية، ونبوغ إنسان وعظمة انتصارات، ومتسع خبرات (يا بلادي وأنت نهلة ظمآن و شبابة على فم شاعر)

هو النداء واحد من جواهر الصوغ ثوابت قواعد، لكنه المتجدد حراك حياة وغنى إنسان، ودهش مشاعر ووقدة وجدان، وألمعية عقل حصيف، ينقل من أعماق النفس والحياة أصورة الخاص والعام بذورا تنتش عرائش من فاعلية إنسان بآخر وكليهما بالحياة، فتنضد اللغة في عروق كل إبداع سرح المناهل في عطاش هيم فيثمل كل ارتواء.

نزار بدّور

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.

اترك تعليقاً