أدب وفكر

كيميا المغيبة بين الرومي وشمس التبريزي
في رواية كيميا لوليد علاء الدين (1)

على غرار الشعر وموضوعة معارضة القصيدة بقصيدة تعتمد قافيتها ومعناها، انسحبت ذات الفكرة كذلك على الرواية كجنس أدبي له تفرّده وعوالمه الخاصّة بمعارضة رواية برواية كما فعل كمال داود عندما نسج سرديته المعارضة لغريب ألبير كامو، وكما يفعل وليد علاء الدين في روايته “كيميا” الصادرة عن دار الشروق لعام 2019 بنسجه رواية مخالفة لرواية إيليف شافاق “قواعد العشق الأربعون” ورواية مورل مفروي “بنت مولانا” وإن اِعتمد شخصياتها ذاتها، ولكن برؤية مغايرة للفكرة والمضمون، بسرد يتشابك معه فن الرحلات واليوميات مع الفانتازيا التاريخية ليعيد مساءلة المسلمات، بتوليفة شائقة وممتعة تفتح الأبواب المستقرة في ذهنية محفوظة، لتناقشها بمنطق العدل والإنسانية بعيداً عن صخب وشهرة الرموز الكبيرة لكلّ من شخصيتي الرومي وشمس التبريزي، وقد قرر أن يحدث ثقباً في الجدار الغليظ لتحلق روح “كيميا” الفتاة الصغيرة المهمشة في حياتها ومماتها.

كيميا روح معلّقة بالزمن، روح تتقمص المكان، حتى ليخالها في كل فتاة أو امرأة يلقاها، كيميا روح ذبحها مولاهم بسيف شمسه، ينبش علاء الدين قصتها من ذاكرة الزمن، ليعيد الحق إلى نصابه، ويبين الظلم الذي لحق بها؛ والتجاهل الذي عوملت به؛ بين كبيرين وهي الطفلة الغاوية للعلم والحياة.
 
يذهب وليد علاء الدين برحلة إلى قونية لتغطية الاحتفالية بمناسبة مرور ثمانمائة عام على مولد جلال الدين الرومي، ليقارب أمكنة ومراقد وقبور، عبقت بأسماء ومعاني، يتم استحضارها وفق طقس احتفالي، وتلك الدفقة النورانية التي تسيطر على الكاتب أشبه ما تكون بحلم من نوع خاص، ينوس بين حلم يقظة وحلم حقيقي يحلق به عبر توقيت سرمدي، ورغم الإغراق في عدم واقعية استحضار شخصيات من عمق الزمان، والإتيان بها، لمحاكمتها؛ ومحاورتها؛ فهو كان واقعياً جداً في إدخال ذاته وصداقاته الشخصية إلى متن العمل كشخصيات روائية، مثل اسمه ورسائله إلى صديقه نوري الجراح وآخرون، يجعل حوار علاء الدين لذاته؛  واسمه؛ حضوراً ذا بعد ميتافيزيقي، عندما ينزع من نفسه شخصية ويحاورها، في تمثله وجود انعكاسي لابن الرومي علاء الدين ولد في الشيفرة السرية التي يجدها بانتظاره في الفندق، والتي يترجمها بمعنى”أنت وليد علاء الدين وأنا علاء الدين ولد أنت شبيهي وقريني”، في استثمار لافت لفلسفة الوجود والعدم بصدفة تلاقي وتعاكس الاسمين، القدر الذي ساقه بمصادفة المشابهة بين اسمه واسم علاء الدين ولد وكأنه مثيله المقلوب في سرمدية الزمن لتنبض عروق كيميا من قبرها المجهول، ورغم أنه يصرِّح بأن لاشيء في الكون يحدث مصادفة  فالاسم المقلوب في عالم الوجود هو واحد في العدم في مخاتلة تشويقية تسحب القارئ إلى مفازاتها وتضعه في لب المتاهة.

فهو لا يفكر بكل تلك الحكم وفلسفة الروحانيات التي قالها الرومي وحوارياته مع شمس التبريزي ومع مريديه وأتباعه، بل يفكك ويشكك بذلك التاريخ المنقول بصورة بالغة الأهمية، ويحيلنا للبحث عن شخصية مهمشة في حضور قامتين أشهر من نار على علم، لينزع هالة القدسية والمهابة والفلسفة التي تحيط بهما، ويميط اللثام عن كثير من الأفكار والمعتقدات التي دارت في ركابها، فمن خلال فكرة اختلاف العقائد وتجاوزها عند الرومي وعند ابن عربي بالقول “عقد الخلائق في الإله عقائداً وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه”، ليتطرّق إلى ديانة جدة كيميا الزرداشتية وتشابه روايات الأديان وقصص الأنبياء،  إذ أن زرادشت أيضاً حلمت أمه بسحابة سوداء أرادت قتله ليأتي نور من السماء يمزق السحابة وينقذه، وحديثها، حديث الجدة بأن المسيحية ورثت اليهودية وهذه الأخيرة أخذت تعاليمها من الزرادشتية، للوصول من خلالها لفكرة وحدة الأديان في مضمونها وتعاليمها.

لقراءة الجزء الثاني : اضغط هنا

دعد ديب

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.

اترك تعليقاً