منوعات

المراهقة مُرهِقة للطفل ولأهله

المراهقة مُرهِقة للطفل ولأهله

سنوات المراهقة هي منصّة الاِنطلاق من مرحلة الطفولة لمرحلة الرشد، والمراهق غالباً ما يُتعِب من هم حوله، لا لشيء إلا لأنه هو نفسه مُتعَب. ونحن غالباً لا نفهم المراهق لأننا لا نعرف ما يمرّ به من متاعب لا يعرف هو نفسه كيف يعبّر عنها بطريقة سليمة هادئة. فنجد آباء المراهقين يواجهون مواقف محيّرة، كيف يمكنهم أن يقدِّموا المساعدة عندما تكون المساعدة غير مقبولة، وكيف يمكنهم تقديم الإرشاد عندما يكون مرفوضاً وكيف يمكنهم التواصل عندما يكون التواصل بداية الهجوم عليهم؟!

أولادنا المراهقون يحتاجون إلينا، نعم، سواء أقرّوا بهذه الحقيقة أم لم يُقِرّوا. معظم المراهقين يتوقون للحصول على اِهتمام، تشجيع، دعم من والديهم. كما أنهم يحتاجون لحدود مناسبة لأنهم لم ينضجوا بعد لاتخاذ قراراتهم بمفردهم، والعبارات التي يرددونها “لا تشغلي بالك يا ماما”، “غير مهم” تخفي حقيقة احتياجهم لوجودنا ليكون لنا دور فعّال كوالدين.

أكبر تحدٍّ يواجهه الأهل في فترة المراهقة هو وضع الحدود، وترى الوالدين يواجهون خيارين:
إما أن يستمرّوا في استخدام نفس الأساليب التي كانوا يستخدمونها عندما كانوا أصغر سناً (والنتيجة تكون إحباط شديد).

أو يدركون أنه يجب أن يغيّروا من أسلوبهم، وهنا ينبغي أن يتغيّر دور الأهل من المتحكّم إلى المستشار بمعنى (يطرح أسئلة، يشارك خبرات، يقدِّم آراء، يعرض احتمالات مع نتائجها المتوقَّعة، وفي النهاية يأخذ المستشار خطوة إلى اخلف ويعطي الفرصة للعميل أن يتّخذ قراره ويتحمّل نتائجه).

مرحلة انتقالية، ففي هذه المرحلة العمرية يتأرجح الوالدين بين التربية والتوجيه، وبين السلطة والحدود. وأحيانا يفشل كليهما، وهذا التحوُّل في العلاقة -من اتّخاذ كلّ القرارات كوالدين إلى مساعدة الابن في أن يتّخذ أفضل القرارات بنفسه- هو تحوّل تدريجيّ يحدث في فترة المراهقة.

تكمن الصعوبة في هذا العمر في أن النضج الجسديّ لا يصاحبه نضج نفسي ووجداني بالقدر الذي يتماشى مع هذا التغيير الجسدي الهرموني. فمن الخارج يبدو المراهق وكأنه راشد غير أنه يكون لا يزال يفكّر بطريقته الطفولية القديمة، ويضاف إليها الكثير من العصبية وتقلُّب المزاج والميل للتمرُّد.

النموّ الجسديّ مرهِق لذا من الطبيعي أن تجد المراهق يشعر بالتعب بسرعة كما أن تركيزه يقلّ وينخفض مستوى تحصيله الدراسي، ويعاني من الصداع والدوار ويضطّرب نمط نموّه واستيقاظه وربما يشعر بعض المراهقين بآلام في عظامهم ومفاصلهم (آلام النموّ) ويشعرون بتسارع ضربات قلوبهم.

بالنسبة للمراهقين هناك ثلاث قضايا أساسية يهتمون بها، وعلى الوالدين إدراكها جيداً ومخاطبتها وإلا سينفصلون عن أولادهم:

  1. أزمة الهوية: أي الوصول إلى هوية شخصية مختلفة عن الأبّ والأمّ والأسرة.
  2. النجاح في العلاقات الشخصية مع الأقران.
  3. الحصول على الاستقلالية.

هذه القضايا تضغط على المراهق وتجعله يتصرّف بأساليب غير اعتيادية حتّى يصل إلى الهوية، ومن الطبيعي سماع بعض من هذه العبارات “يجب أن تقرعي الباب قبل أن تدخلي غرفتي، ليس من المفترض أن أحبّ الموسيقى التي تحبّها أنت، لا أحبّ أن اذهب معكم لماذا اِفترضتم أنّي أحبّ ذلك، لا أريد.. هكذا.. دون سبب، سأدرس عندما أريد أنا فهذا شأنيَ الخاص”.

ومن الواضح لدينا جميعاً أن المراهقة مرحلة من مراحل عديدة يمرّ بها الإنسان فهي مؤقّتة إذن، ومن المهمّ النظر إليها على أنها فترة انتقالية، لأنَّ ذلك يزوِّدنا بطاقةٍ عظيمةٍ على التحمُّل كما يزوِّدنا بالأمل والترقُّب لما هو أفضل.

عن الكاتب

لارا حداد

لارا منير حداد
حاصل على إجازة في الهندسة المعلوماتية، وشهادة دبلوم في التنشئة اللاهوتية(برنامج الكلمة)، كاتب مقالات تخصّ تربية الأطفال في موقع "حياة عيلتنا"
اهتماماتي مطالعة الكتب المختصّة بالعائلة ودراستها.

اترك تعليقاً