تاريخ

قصة بناء ضريح الرخام المرمري للقديس إليان الحمصي

قصة بناء ضريح الرخام المرمري للقديس إليان الحمصي

في تلك الأيام  كان يسكن حمص رجل يهودي المذهب ذو ثروة طائلة منحته الزعامة بين ذويه وموضع احترام من ذوي السلطة التي تحتاج آنذاك إلى الاقتراض منه. توفّيت امرأته ولم يكن له منها سوى ابنة واحدة، ولحبه الكبير لزوجته أبى أن يتزوّج بعدها فعاش مع ابنته أستير التي كان يحبـــها كثيراً، فهيّأ لها كل أســــــباب الرفاهية والسرور كما أنها رفضت الزواج وقد تجاوزت الثلاثين ربيــــعاً لتبقى مع أبيها. غير أن السعادة في هذه الدار قصيرة الأمد وإن طالت، فالفتاة بدأت تشــــعر بآلام داخلية في أحشائها، بداية لم تعبأ بها، لكن نوبات الألم  أصبحت صعبة الاحتمال، وللحال استقدم لها أشهر الأطباء دون جدوى وبقيت على هذه الحال ثلاث سنوات وكبر حجم بطنها، وكانت عند الفتاة خادمة مسيحية وكثيراً ما كانت تعرض عليها زيارة قبر القديس إليان وطلب معونته لشفائها فلم توافق معها لتعصّبها بدينها، وقالت لها الخادمة بأن الكثيرين يقصدون قبره ويبيتون عنده ويظهر لهم في الحلم فيصف لهم الدواء أو يلمس مكان الألم ويعودون معافين. فقالت لها الفتاة كيف أطلب المعونة من طبيب نصراني ميت وأنا بنت اسرائيل؟.

قصة بناء ضريح الرخام المرمري للقديس إليان الحمصياسترجعت أستير بينها وبين نفسها كلام الخادمة، فقبلت ما عرضته الخادمة عليها فطلبت من أبيها أن يحضر لها عربة لتتجوّل بها مع خادمتها في شرق المدينـــــة، فأحضر لها ما طلبت، وسارت العربة باتجاه ضريح القديس إليان وفي الطـــريق انتابتها نوبة ألم غابت فيها عن الوعي فأسعفتها الخادمة بالمنعشات وبدت عابســــة الوجه فسألتها الخادمة إن كان قد تراءى لها القديس في هذه الغيبوبة؟ فقالت له أن هذا الطبيب قد يفسد معتقدي لأنه وصف لي أكل لحــــم الخنزير لأبرأ من مرضــي. فإني افضّل الموت عن تنفيذ طلبه. لم يمضِ وقت طويــــل حتى انتابتها نوبة قويــة فغابت عن الوعي فتراءى لها القديس مرة ثانية وطلب منها استعمال ما وصــفه لها لكي تبرأ وإثرَ نوبة ثالثة وأثناء غيبوبتها ألحّ عليها القديس استعمال الدواء نفسه وإلاّ لن تُشفى.

فوافقت ولكن خشيت غضب والدها فقالت لها الخادمة أنا سأحضر قطعة لحم الخنزير وأطبخها وأحضرها لك في صحفة مغطاة لا يراها أحد وعملت الخادمة المطلوب وأعطت الصحفة لأستير وهي مغطّاة، فرفعت أستير الغطاء عن الصحفة لتأكل منه وإذ بصوت أقدام أبيها في المنزل فأسرعت ووضعت الصحفة بين رجليها وغطّتها بثوبها، فسألها عن صحتها، لكنها لم تستطع الرد عليه وشعرت في نفسها بميلها للتقيّؤ ولم تمر لحظات حتى تقيّأت وقذفت علّتها من جوفها وشــــعرت للحال بانتهاء آلامها وصرخت: “إني آمنت بإليان الطبيب الحمصي الشافي فافعل بي يا أبي ما شئت”. فرح الأب فرحاً شديداً وقبّلها مهنّئاً لها بالشفاء وقال لها إني معـــك أكون حيث تكونين أعبد ما تعبدين وأمقت ما تمقتين. وهكذا تنصّر الأب وابنته معاَ وكانا من أكثر الناس إخلاصاً للميسحية.

وقدّمت ابنته حليّها وأفخر ما ادّخرته لمقام القديس، أما أبوها فأحضر نحّاتاً وجلب له قطعتي رخام مرمري فصنع النحّــــــات إحداهما ضريحاً والأخرى غطاءً للضريح ولا يزال هذا الضريح الرخامي إلى الآن من أهم مدافن القديسين في الشرق المسيحي. ونلاحظ أن بناء القبر كان من الجنوب إلى الشمال وهذا يدل على أن الذي بناه أو أمر ببنائه غير مسيحي أو مسيحي لا يعرف أصول اتجاه الدفن عند المسيحيين حيث يبنون قبورهم من الشرق إلى الغرب.

والجدير بالذكر أن ضريح القديس إليان يُعَدّ من أوائل أضرحة القديســـين، والذي لا يزال موجوداً حتى الآن بعد مضي أكثر من 1700 عاماً على استشهاده.

عن الكاتب

جورج فارس رباحية

جورج فارس رباحية من مدينة حمص، أب لأربعة أولاد.
مهندس زراعي متقاعد.
خبير محلّف لدى المحاكم.
لي كتاب أمثال حمص الشعبية.
هواياتي كتابة مقالات تاريخية، أدبية، زراعية، دينية، توثيق آثار حمص والأوابد السياحية في سوريا.

تعليق واحد

اترك تعليقاً