أدب وفكر

الشيخ و البحر

-صراع أزلي-

في رحلة الصيد الأخيرةِ ..
بعدما صارعتُ موج َ البحر أياماً
ظفرتُ بحصتي الكبرى
شعرتُ بنشوةٍ
وأنا أشدُّ فريستي بصعوبةٍ نحويْ
أُخمـِّنُ أنها كانتْ ستغلبُني وتنجوْ
لوْ رأتْ شيخوختي
لكنها منْ حسْنِ حظي لا تراني

كانَ طـُـعْماً رائعاً ..
أعددْتُهُ بعنايةٍ من أجلها
ولأنها أقوى وأكبرُ منْ جميع خصومها
انتصرتْ فنالتْ حتـْــفــَــها
بالرغمِ منْ آلامها كانتْ تُحدّدُ وجهتي
وتشدُّني غرباً
فيمضي الزورقُ المشلولُ خلفَ جموحها
كانتْ مفارقةً إذاً
أنَّ القتيلَ يجرُّ قاتلــَـه

وحلـَّـقَ طائرٌ فوق المكانِ
محدِّقاً بالماء .. ثـمَّ اصطادَ حصّته الصغيرةَ
في غياب الآخرين وطار مُبتعداً
و راح الموجُ يعلو .. ثمَّ يعلو
والنهارُ يغيبُ في عمْق المدى.
شيئاً فشيئاً
كنتُ أشعرُ أنها تعبتْ قليلاً
ثمَّ عاودتِ الكفاحَ
وكلما اشتدَّتْ عزيمتُها شددْتُ الخيطَ أكثرَ
واتكأتُ على بقايا قوتي
ليلٌ طويلٌ مرَّ
كانَ نزيفـُها يكفي
ليجتذبَ المزيدَ من الخصومِ معَ الصباح
وهكذا .. دافعتُ حتى الموت عنها
كلما انقضـَّــتْ وحوشُ البحر تنهشـُـها اسْتفزّتْ قوّتي
فصبرتُ أكثرَ
لم أكن وحدي أحسُّ  بأنها
” ليْ دونَ غيريْ ” لمْ أكنْ وحديْ
ويبدو أنَّ صيدَ اليوم أكبرُ
– رُبما –  منْ حصّتي
أو ربما منْ قـُــدرتي
أبحرْتُ أياماً
ولمْ يتبقَّ حينَ وصلتُ
إلا الهيكلُ العظميُّ منْ صيدي الثمين
كأنني أدركتُ لحظتَها
حقيقةَ ما جنيتُ من الحياة
ورحلةِ العمر الطويلةِ

رغمَ هذا
نمتُ منتشياً بآلامي .. وأحلامي
وكانَ البحرُ يفهمني
ويُدركُ أنني ما  عُدتُ مُهتمـّــاً
فلمْ أبحِرْ على شيخوختي
إلا لأثبتَ للحياة جدارتي بصهيل فتــْـنتِها
ولمْ أبحِرْ  على شيخوختي
إلا لأثبتَ أنني
مازلتُ صياداً قوياً.

حسن بعيتي

اترك تعليقاً