ضمن نشاطه الدوري، أقام اتحاد الكتاب العرب فرع حمص، يوم الثلاثاء 3 آب 2021 محاضرة للأستاذ المترجم محمد الدنيا بعنوان “كيف يفكر الأطفال الصغار؟”.
قام الأستاذ محمد بترجمة محاضرته من كتابين وجمعها في بحثه:
الأطفال الصغار عند ولادتهم مزودون بأشياء أكثر بكثير من المُنْعَكَسات الأساسية البسيطة، مجهزون بتصورات حول العالم على شكل رموز تذكرنا برموز البرامج المعلوماتية. نجدهم يتلقون منبهات من العالم الخارجي ( الموجات الصوتية والضوئية.. ) ويحولونها وفق بعض القواعد إلى تمثيلات تتجسد على شكل تعابير وجهية، وتتجسد في حركاتهم وإشاراتهم وأفعالهم أي باختصار في ردود أفعالهم تجاه المحيط.
أما التمثيلات فنقصد بها استيعاب المعلومات استيعاباً ينتظم في الحياة العقلية/ النفسية. والأطفال الصغار المعنيون هنا هم الرضع أي المرحلة العمرية الممتدة بين الولادة ونهاية السنة الثانية تقريباً وربما أكثر قليلاً أي حتى إلى ما قبل مرحلة الروضة. وهكذا، يترجم الأطفال الصغار المعلومات التي يتلقونها بأعينهم وآذانهم إلى عالم زاخر بالناس ذوي الملامح المعبرة والوجوه الآسرة.
وقد تمركزت محاور البحث حول العناوين التالية:
– تمثيلات الأطفال الصغار: ثرية، ومعقدة، وتجريدية يستخدمون هذه التمثيلات، أي عمليات الاستيعاب، وفق بعض القواعد: يفهمون من خلالها أن وجوههم شبيهة بوجوه البشر الآخرين، ويدركون عبرها الطرقَ التي تتحرك بها الأشياء، ويعرفون بعوْنِها كيف يميزون مختلف أصوات لغة ما. يفهم الأطفال الصغار ما يستتر خلف التعابير ويقرؤون المشاعر ما وراء الكلمات…
– طرق التعلم: اللعب
يعبر الأطفال الصغار عن حاجة لا تقاوم إلى اكتشاف أسرار العالم الذي يعيشون فيه، لديهم نوع من ميل قوي إلى الاستفسار والفهم. وهذا النزوع هو الذي يدفعهم إلى التصرف بطريقة يحصلون بها على المعلومة التي يفتقدونها، عبر الاستكشاف والتجريب. في الواقع، يستكشفون باللعب! ليست الألعاب أبداً نشاطات بلا هدف، بل هي وثوب حيوي يتسم به الأطفال كي يتعلموا ويفهموا العالم. يؤدي الأطفال الصغار لعبة التقليد عبر سعيهم إلى معرفة ما يدور في رأس الآخرين. ألعابهم جِدية إلى حد كبير ولها شأن في التعلم، يستجْلون الأشياء عبر رؤيتها وحواسهم الأخرى ويستكشفون أصوات اللغة عبر المناغاة.
-هل يمكن القول: الأطفال الصغار أذكياء؟
يمكن أن نعتبر الطفل الصغير ذكياً منذ أن يبدو قادراً على القيام بحد أدنى من تنظيم المعارف؛ أي أن يقول: “هذا مشابه، وهذا مختلف “، أي أن يوجِد علاقة بين الأشياء. إن حديثي الولادة قادرون على القيام بذلك، إذ ينظرون وقتاً أقل فأقل إلى الشيء المألوف بالنسبة لهم (إذاً هذا مشابه) وأكثر فأكثر إلى الشيء الجديد (إذاً هذا مختلف).
-ماذا يعرف الطفل الصغير حول نفسه؟
كل ما في الطفل الصغير (الرضيع حتى نهاية السنة الثانية من العمر تقريباً) يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه قادر ليس فقط على أن يميز نفسه عن الآخرين، بل هو كفء أيضاً في تجاوز هذا المستوى من معرفة الذات سريعاً إلى حد ما. وعدا الذات البيئوية (بمعنى أنا أدرك حدود جسدي)، والذات الاجتماعية (بمعنى أنا أحدد موقعي في علاقاتي مع الآخرين)، ربما كان الرضيع يتمتع أيضاً بما يسمى الذات الواعية، أي الوعي بكينونته والمكانة التي يتبوأها في منظومة العلاقات.
-ماذا يعرف الطفل الصغير حول الأشخاص؟
بالطبع، يعرف الأطفال الصغار حول الأشخاص كل ما يعرفونه حول الأشياء، وهذا شيء ليس بقليل أهمية. إذن، يمكننا أن نتساءل حول ما يعرفونه أكثر عن هذه “الأشياء” الخاصة جداً، ولكن يمكننا أن نتساءل أيضاً إن كانت معارفهم حول الأشياء ليست مستمدة من معارفهم حول الأشخاص. نستطيع كذلك أن نتصور أن الرضع يتعلمون، في وقت قد يكون مبكراً أو متأخراً، تمييز ما هو اجتماعي عما هو ليس كذلك، بل أن نتصور أنهم يتمتعون بلياقات فطرية في هذا الميدان.
في الواقع، الكائنات البشرية هي الأكثر أهمية والينبوع الأغنى للتعلم والتعرف في بيئة الأطفال الصغار. فهؤلاء الأشخاص يتحركون، ويصدرون الأصوات، ويثيرون ضجيجاً، ويلمسون. ولعل غالبية الأشياء المثيرة لاهتمام الطفل الصغير تكمن في ذراعي الكبار حين ينتقلون به من مكان إلى آخر مما يزيد من إطلالاته وبالتالي من تجاربه ومعارفه.
يذكر أن الأستاذ محمد الدنيا حاصل على (ليسانس) في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة حلب / سورية. مدرس لهذه اللغة من العام 1974 وحتى العام 2007. نشرت له مقالات عديدة مترجمة، علمية، وأدبية، وفكرية وتربوية وفن تشكيلي… في العديد من الصحف والمجلات السورية.
حاصل على المرتبة الأولى وشهادة تقدير في “مسابقة سامي الدروبي للترجمة ” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب لعام 2019 / وزارة الثقافة السورية.
عضو اتحاد الكتاب العرب، صدر له العديد من الكتب.
اترك تعليقاً