تاريخ منوعات

قصة اكتشاف الصليب المقدّس

عندما تَسَّلم قسطنطين المملكة نشر العدل والإنصاف ومنع المظالم ، فخضع الكل له وأحبّوه ، ووصل عدله إلى سائر البلاد ، فأرسل إليه أكابر روما طالبين أن ينقذهم من ظلم مكسيميانوس فزحف بجنده إلى إنقاذهم . وفى أثناء الحرب رأى في السماء في نصف النهار صليبًا مكوّنًا من كواكب مكتوبًا عليه باليونانية الذي تفسيره ” بهذه العلامة تغلب ” ، وكان ضياؤه يشع أكثر من نور الشمس ، فأراه لوزرائه وكبراء مملكته فقرؤوا ما هو مكتوب ولم يًدركوا السبب الموجب لظهوره. وفى تلك الليلة ظهر له ملاك الرب في رؤيا وقال له: “اعمل مثال العلامة التي رأيتها وبها تغلب أعداءك”. ففي الصباح جهّز علمًا كبيرًا ورسم عليه علامة الصليب ، كما رسمها أيضًا على جميع الأسلحة ، واشتبك مع مكسيميانوس في حرب دارت رحاها على الأخير الذي ارتد هاربًا ، وعند عبوره جسر نهر التيبر سقط به فهلك هو وأغلب جنوده. ودخل قسطنطين روما فاستقبله أهلها بالفرح والتهليل ، وكان شعراؤها يمدحون الصليب وينعتونه بمخلِّص مدينتهم ثم عيّدوا للصليب سبعة أيام ، وأصبح قسطنطين ملكًا على الشرق والغرب.

اكتشاف الصليب

بعد صلب المسيح وقيامته قام يهود متعصبون بردم قبر المخلص ودفن الصلبان الثلاثة: (صليب المسيح وصليبَي اللصين اليميني واليساري) لإخفاء معالمه نظراً للمعجزات التي كانت تحدث بجوار القبر. فاختفى أثر الصليب مذ ذاك ولمدة تناهز قرنان من الزمان . ولما أصبح قسطنطين (ابن القديسة هيلانة) إمبراطوراً على أوروبا واعتناقه المسيحية. بعدها نذرت أمه القديسة هيلانة أن تذهب إلى أورشليم لنيل بركة الأراضي المقدسة ، بالقرب من جبل الجلجلة . رأت القديسة في الليل من يقول لها : ” امضي إلى أورشليم وافحصي بتدقيق عن الصليب المجيد والمواضع المقدسة “. وإذ أعلمت ابنها بذلك أرسلها مع حاشية من الجند إلى أورشليم عام 326 م ، فبحثت عن عود الصليب المجيد حتى وجدته ، كما وجدت الصليبين الآخرين اللذين صلب عليهما اللصان. فقصدت أن تعرف أيهما هو صليب السيد المسيح ، فأعلمها القديس مكاريوس أسقف كرسي أورشليم بأنه هو الصليب المكتوب أعلاه : ” هذا هو يسوع ملك اليهود “. ثم سألته أن ترى آية ليطمئن قلبها ، فاتفق بتدبير السيد المسيح مرور قوم بجنازة ميت في ذلك الحين ، فوضعت كلاً من الصليبين على الميت فلم يقم ، ولما وضعت الصليب الثالث قام الميت في الحال ، فازداد إيمانها وعظم سرورها. بعد ذلك شرعت في بناء الكنائس ، وبعد ما سلمت للأب مكاريوس المال اللازم لعميلة البناء أخذت الصليب المجيد والمسامير وعادت إلى ابنها الملك البار قسطنطين ، فقبَّل الصليب ووضعه في غلاف من ذهب مرصع بالجواهر الكريمة ، ووضع في خوذته بعض المسامير التي كانت به.

صارت هيلانة مثلاً حيًّا للإمبراطورة المسيحية التي تساهم في جعل الإمبراطورية الرومانية مسيحية. سارت هذه القديسة سيرة مرضية ورتبت أوقافا كثيرة على الكنائس والأديرة والفقراء
تركت الملك هيلانة جزءاً من الصليب في القدس وأرسلت الباقي إلى ابنها قسطنطين فوضعه في الكنيسة مرفوعاً على عمود كبير وأصبح موضع إكرام وحج . وفيما بعد أمر ببناء كنيسة القيامة فوق القبر وكنيسة ثانية على الجلجلة، وأخرى فوق مغارة الصليب .

وفي (القرن السابع ) حدث أنْ دخلت جيوش كسرى ملك الفرس إلى أورشليم ظافراً ، وتم أسر الألوف من المسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك زكريا ، وأُضرِمت النار في كنيسة القيامة والكنائس الأخرى بتحريض من اليهود القاطنين في أورشليم ، ونجا الصليب المكرَّم من النار بهمّة المؤمن يزدين الكلداني ، لكنهم أخذوه غنيمة مع جملة ما أخذوا من أموال وذهب ونفائس إلى الخزانة الملكية.

وبقي الصليب في بلاد فارس حوالي 14 سنة.

ولما انتصر هرقل الملك اليوناني على الفرس ، تمكَّن من استرداد ذخيرة عود الصليب أيضا وكان ذلك سنة 628. فأتى إلى القسطنطينية التي خرجت بكل مَن فيها إلى استقباله بالمصابيح وتراتيل النصر والابتهاج ثم أُعيد الصليب إلى أورشليم من جديد. ومنذ ذلك الحين بقي الصليب في أورشليم. فيما تبقى من زمن ، فان الملوك والأمراء والمؤمنين المسيحيين بعد ذلك بدأوا يطلبون قطعاً من الصليب للاحتفاظ بها كبركة لهم ولبيوتهم وممالكهم. وهكذا لم يتبقَ في يومنا هذا من خشبة عود الصليب الأصلية إلا قطعتان ، الأولى ماتزال في أورشليم، والثانية في كنيسة الصليب المقدس في روما.

أما قصة شعلة النار التي نوقدها في عيد الصليب (في بلاد المشرق ) فأصلها: كانت فِرقَ الجنود المكلفة بالبحث عن الصليب قد اتفقت على اصشارة وهي اضرام النار في حال وجَدَت إحداها عود الصليب . وهكذا أضاءت المدينة كلها بوميض الشعلات ساعة ايصجاد عود الصليب ، وكان ذلك اليوم هو الرابع عشر من أيلول ، ولهذا السبب فإننا نحتفل بعيد الصليب في اليوم نفسه. كما أمر الملك قسطنطين ببناء كنيسة في نفس موضع الصليب على جبل الجلجلة ، وسميت بكنيسة القيامة ، وهي ماتزال موجودة الى يومنا هذا. (وقد أقيم احتفال التدشين لمدة يومين متتاليين في 13 و 14 أيلول سنة 335 م في نفس ايام اكتشاف عود الصليب)
———-
تنويه
لقد عرف التاريخ الصليب كأداة تعذيب وإعدام ، حيث كان الصليب في الحضارات القديمة يعني الموت، وإن الإنسان المصلوب عليه لابد وأنه قد أذنب ذنباً لا يستحق لأجله الحياة ، ولا مفر من إعدامه ، وكان المصلوب قديماً ملعوناً من الله والبشر. وقد عرف اليهود قديماً عقوبة إعدام المذنب بتعليقه على خشبة، وسجل لنا العهد القديم هذا الفكر قائلاً : ” وَإِذَا كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى خَشَبَةٍ فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ ” (تثنية 21: 22-23). وعرف الرومان أيضاً الصليب كوسيلة تعذيب وإعدام ، إذ كانوا يعدمون المذنبين والمجرمين العبيد فقط بالموت صلباً ، لأن الروماني لا يُصلب، فهو أرقى وأشرف من أن يُصلب حتى لو كان مجرماً.
كل عام وأنتم بألف خير

عن الكاتب

جورج فارس رباحية

جورج فارس رباحية من مدينة حمص، أب لأربعة أولاد.
مهندس زراعي متقاعد.
خبير محلّف لدى المحاكم.
لي كتاب أمثال حمص الشعبية.
هواياتي كتابة مقالات تاريخية، أدبية، زراعية، دينية، توثيق آثار حمص والأوابد السياحية في سوريا.

اترك تعليقاً