ثقافة

سوريا التاريخ .. الأنْدَرِينْ

أطلال مدينة في سورية تقع في بادية حماة إلى الشمال الشرقي من مدينة حماة على بعد نحو 85 كيلو متراً، وإلى الشمال الشرقي من قصر ابن وردان على بعد 25 كيلومتراً ، وقد وصفها ياقوت الحموي بقوله : «الأندرين اسم قرية في جنوبي حلب بينهما مسيرة يوم للراكب في طرف البرية ليس بعدها عمارة وهي الآن خراب ليس بها إلا بقية الجدران»، والأندرين كلمة سريانية جمع لأندر وتعني البيدر أي هي (مدينة البيادر) وهي أيضا مدينة (كروم العنب) (مدينة الخمر) وغابت عن وجه الأرض بسبب زلزال مدمِّر حلّ بها في القرون الوسطى. ظلت غافية راقدة تحت تراب البادية ورمالها لقرون طويلة حتى بدايات الألفية الجديدة، حيث جاءتها بعثات تنقيب أثرية أوروبية وسورية مشتركة عملت على إظهار أوابد هذه المدينة ورفعها فوق الأرض من خلال مواسم تنقيب سنوية.

كانت المدينة عامرة في العصر البيزنطي حتى إنها اشتهرت بزراعة الكروم وإنتاج أجود أنواع الخمور . فكانت الأندرين هي مطلع معلّقة عمرو بن كلثوم ( 525 ـ 600 ) م ( ألا هبي بصحنك فاصبحينا)، يقال إنها في نحو ألف بيت وقد بقي منها ما حفظه الرواة بين 100 ــ 111بيتاً حسب مصدرها . وهي على وزن بحر الوافـر وفيها من الفخر والحماسة العجب :
ألاَ هُبِّي بِصَحْنِـكِ فَاصْبَحِينَا *** وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا

كانت الأنْدرين مدينة واسعة تعود للعصر البيزنطي قد خربت واندثرت وتهدم بنيانها ، ولم يبقَ منها سوى بعض معالمها العلوية. وقد بُنيت جميعها بالحجارة البازلتية إلى جانب الآجر. كان اسمها القديم أندرونا Androna، وكانت مدينة واسعة يحيط بها سور ضخم ويخترقها شارعٌ رئيسٌ من الشمال إلى الجنوب يسمى الكاردو Cardo يقطعه شارع آخر من الشرق إلى الغرب يسمى الديكومانوس Decumanus.

ويلاحظ في جنوبها وخارج أسوارها خزان ماء واسع مربع الشكل يتجاوز طوله الستين متراً ، مبني بحجارة كلسية ، وكانت تغذيه قناة تأتي من الجهة الجنوبية الشرقية من أراضي رسم أم الأميال (أم الميال). وهناك خزان آخر يقع شمال الأندرين ، تصل إليه المياه بوساطة أقنية تقع في جهة الغرب والجنوب الغربي من المدينة.

وبما أن الكنائس في الأندرين من العناصر المعمارية التي تميز هذه المدينة والتي يبلغ عددها نحو عشر كنائس، فلا بد من إعطاء وصف موجز لأهمها ، وهذه الكنائس ترقى للقرنين الخامس والسادس الميلاديين.

ــ كاتدرائية الأندرين:
كنيسة واسعة وجميلة تدعى كاتدرائية الأندرين، تقع في الجهة الجنوبية الغربية من الثكنة طولها 43 متراً، وعرضها 25 متراً، وكانت بعض نهاياتها الشرقية والغربية قائمة حتى النصف الأول من القرن العشرين لكنها للأسف فُقدت اليوم ولم يبق لها أثر. لهذه الكنيسة مجاز وجناحان، ينتهي المجاز بحنية عميقة، تكتنفها غرفتان جانبيتان لكل منهما حنية باتجاه الشرق، وهذه الكنيسة مبنية بكاملها بالحجارة البازلتية أيضاً، ومن المرجح أنها ترقى لحقبة كنيسة الثكنة نفسها. ومن بين هذه الكنائس جميعها تعد كنيسة القديس سمعان، وكاتدرائية الأندرين الكنيستين الوحيدتين اللتين تظهر فيهما استدارة الحنيات الثلاث من الخارج أي في ظاهر نهاية الكنيسة من الشرق.

ــ الكنيسة الجنوبية:
تمثل الكنيسة الجنوبية في الأندرين أكثر النماذج شيوعاً في القرن الخامس الميلادي في المنطقتين الشمالية، والشمالية الشرقية من سورية. وتمتاز هذه الكنيسة بوجود سور مستطيل يحيط بها، ويتكون مسقطها من مجاز nave يكتنفه جناحان aisles، وينفصل المجاز عن كل من الجناحين بثلاث دعامات، تحمل ثلاثة أقواس ضخمة، يضاف إلى ذلك قوس صغيرة منخفضة في النهاية الغربية للكنيسة.
كانت هذه الكنيسة من أكثر مباني الأندرين سلامةً حتى النصف الأول من القرن العشرين، لكنها تعرضت للتخريب فيما بعد، ولم يبق منها سوى أقسامها السفلية مطمورة تحت الأنقاض.

ــ كنيسة الثالوث الأقدس:
هذه الكنيسة ذات فناء مربع يتكون من مجاز وجناحين ، وقد بنيت أجزاء كثيرة من هذه الكنيسة باللبن ، بينما بنيت أقواسها ودعاماتها ومداخلها بالحجارة البازلتية المبعثرة في كل اتجاه ، ويحمل أحد الأعتاب كتابة يونانية تشير إلى أن هذه الكنيسة قد أُهديت إلى الثالوث الأقدس.

ــ الكنيسة المزدوجة:
كنيسة ميكائيل وجبرائيل Saint Michael + Saint Gaberial: يمكن عدُّ هاتين الكنيستين كنيسة واحدة مزدوجة لكونهما متجاورتين لا يفصل بينهما سوى ممر ضيق لا يزيد عرضه على ستة أمتار. وكلا الكنيستين تقدمة من مواطن يدعى دوميتيوس بن مارياس Dometios Son of Mareas. تدعى الكنيسة الجنوبية كنيسة كرسي سيد الملائكة وتعني كنيسة ميكائيل وإن الكنيسة الشمالية هي كنيسة جبرائيل، التي أُنشئت على الغالب بعد الكنيسة الأولى بقليل. والجدير بالذكر أن الكنيسة الجنوبية ( كنيسة ميكائيل ) أكثر إتقاناً وأوسع من الشمالية .

ــ كنيسة القديس ثيودورس:
فناء هذه الكنيسة مربع، يتصل المجاز مع كل من الجناحين بقوسين في كل جهة، وينتهي في الشرق بحنية تكتنفها غرفتان تتصلان بالحنية بمدخل في كل غرفة. كما تتصلان بالجناحين بمدخل في الجهة الغربية من كل غرفة.

ــ كنيسة الثكنة:
وهي الكنيسة الواقعة في وسط ميدان الثكنات الكبير مبنية كلها بالبازلت ، يوجد عند المدخل الجنوبي كتابات يونانية منقوشة بارزة. ومن المحتمل أن هذه الكنيسة أُنشئت في عام 558م أي في الوقت نفسه الذي أُنشئت فيه الثكنات.

عن الكاتب

جورج فارس رباحية

جورج فارس رباحية من مدينة حمص، أب لأربعة أولاد.
مهندس زراعي متقاعد.
خبير محلّف لدى المحاكم.
لي كتاب أمثال حمص الشعبية.
هواياتي كتابة مقالات تاريخية، أدبية، زراعية، دينية، توثيق آثار حمص والأوابد السياحية في سوريا.

اترك تعليقاً