صحة

الدماغ البشري

الدماغ مقر الوظائف العليا، الحواسية والمعرفية والاستجابات العصبية وإيقاعي القلب والتنفس واتخاذ القرارات والوعي.. وإن كان العلماء قد قسموه إلى باحات ومناطق ( الباحات المشتركة في الذاكرة والوعي، وباحة اللغة… ) فإن أسراره لم تكتشف كلها بعد. فلسفياً، الدماغ هو العضو الذي يدرِك، ويفكر، ويفعل. إذن، فهو الذي يتيح إعطاء معنىً لوجودنا. سوسيولوجياً، هو قائد أوركسترا البدن، فيقوده ويقود نفسه، ومسؤول عن سلوكياتنا وتفاعلاتنا مع من نشكل معهم مجتمعاً. علمياً، الدماغ رهان رئيسي، إذ لم يعطِ أسراره كلها بعد، من حيث نموه وتطوره وعمله المعتاد، بل وأيضاً قدرات تكيفه وآليات تكوّن قدراتنا الفكرية، وعواطفنا وانفعالاتنا وسلوكياتنا الحركية التي تأتي تعبيراً عنها.

طبياً وصحياً، التحدي اليوم هو فهم الدماغ المريض ضمن إطار الأمراض العصبية ( ألزايمر، بركنسون، الصرع… )، والنفسانية ( الاكتئاب، والفصام، والانطواء على الذات… ).

ماذا يحدث في الدماغ عندما نحلم؟

الأحلام في بعض الأحيان طريفة، وأحياناً مخيفة. نتذكرها أحياناً وقد لا نتذكرها. فهل يخادعنا دماغنا؟ ما تزال آليات الحُلْم سراً تسعى العلوم العصبية إلى إماطة اللثام عنه دون كلل. من الناحية المنطقية، الدماغ خلال النوم في حالة راحة. وفي الواقع، يتبين لدى الأشخاص الغارقين في نوم عميق أن بعض الوظائف تنطفئ أو تتباطأ، كالقشرة الدماغية الإبصارية الأولية، التي تشكل جزءاً من سلسلة معالجة المعلومات الآتية من شبكية العين. والوضع هو كذلك بالنسبة لقشرة مقدم الجبهة بخصوص الاستدلال والمنطق. بالمقابل، يلاحظ وجود نشاط قوي في مناطق أخرى، خصوصاً النواحي الحسية، كالقشرة الإبصارية الترابطية التي تنتج صوراً، وفي اللوزة المخية التي تعالج الانفعالات أو أيضاً في الحصين المسؤول عن الذاكرة.

دماغ أيمن، دماغ أيسر: ما الفوارق؟

ينطوي الدماغ على نصفي كرة دماغية / مخية، الأيمن والأيسر. فهل ثمة فوارق مهمة بين هذين القسمين من الدماغ؟ في الواقع، ليست فكرة أن بعض الأشخاص يستخدمون هذا النصف من الدماغ أكثر من الآخر سوى أسطورة. في بدايات دراسة الدماغ، تمكن باحثون من أن يظهروا وجود تخصص على مستوى الباحات الدماغية. وفي القرن التاسع عشر، وصف ” بول بروكا ” و” كارل فيرنيك ” نواحيَ من نصف الكرة الدماغية الأيسر ضالعةً في اللغة: باحة بروكا وباحة فيرنيك. وبدأت هذه الاكتشافات تؤكد فكرة عدم تناظر الدماغ؛ بذلك، فإن تعرُّف الوجوه تتحكم به بالأحرى ناحيةٌ من النصف الأيمن؛ بينما الوظائف الحسية والحركية هي من مسؤولية نصفي كرة الدماغ كليهما؛ وعضلات القسم الأيسر من الجسم

ما الخيال، ما أسراره الخبيئة؟

صُنْع أداة، أو حل إشكالية، أو رسم لوحة…ما كان لمثل هذه المهمات أن تغدو ممكنة لولا الخيال. الإنسان كائن فضولي ومبدع، يطرح تساؤلات باستمرار حول العالم المحيط به. وتطوره برهانٌ على ذلك. وعلى مر القرون، لم يكفّ عن التعلم كيف يعرف ويروض العالم حوله. وقد شعر أيضاً بالحاجة إلى تدوين مشاعره وانفعالاته في أعمال فنية، كي يتواصل بصورة أفضل مع معاصريه. مع ذلك، ما كان لهذه القدرات أن ترى النور لولا تحليقٌ في الخيال، الذي يشكل دعامة جوهرية في العمل العلمي والفني، ونقطة انطلاق لابتكار أفكار جديدة.

ماذا عن الداء الذي بات يرعبنا جميعاً؟ ألزايمر

سمة داء ألزايمر هي تشكل لويحات (صفيحات) شيخوخية بين الخلايا العصبية. أما الأعراض التي نلاحظها في هذا الداء فهي ناشئة عن تنكُّس (أي عن تغيرات وتبدلات في البنية العضوية) يصيب خلايا الدماغ العصبية. لم يتوضح بعدُ لغز الآليات التي تتيح تشكل هذه اللويحات أو الرواسب المسماة النشوانية (النشوانية أي ما يشبه النَّشا أو يتصف ببعض صفاته) بين الخلايا العصبية وتسبب تشابكات وتداخلات عصبية ليفية داخل هذه العصبونات تؤدي إلى تخريب العصبونات من الداخل.

عوامل تزيد من مخاطر الإصابة؟

يشكل داء ألزايمر السببَ الأول للخرف على مستوى العالم. ألزايمر، يعني فقدان ذاكرة، وصعوبات تخطيط، وتعثراً في تنفيذ مهمات عادية مألوفة، وتخليطاً في الزمان والمكان واضطرابات في المزاج. أعراض داء ألزايمر معيقة وعديدة، وعديدة أيضاً هي عوامل الوقوع فيه، بل يتحدث الباحثون عن أنه آفة متعددة كثيرة العوامل، إذْ تتدخل فيها تركيبة معقدة من العناصر؛ وللأسف، ليس ممكناً التأثير على بعض هذه العوامل.

هل لمستوى التعليم والنشاطات المعرفية دور ما؟

أظهرت الدراسات على الدوام أنه كلما طورنا أدمغتنا وحرّضناها، عززنا الاتصالات الدماغية على الأداء الأمثل وقللنا من مخاطر تطوير شكل ما من أشكال الخرف.

إذاً، يمكن أن ينظر إلى مستوى الثقافة الضعيف على أنه عامل خطر للإصابة بألزايمر. يبدو التحريض الذهني أنه يتيح التخفيف من تأثيرات هذا المرض. ذلك تقريباً كما لو أن الدماغ الأكثر تطوراً يغدو أكثر مقاومة لهجمات الخرف.

ترجمة الأستاذ محمد الدنيا
أمين سر اتحاد الكتاب العرب-فرع حمص

 

اترك تعليقاً