أدب وفكر

العشق الدمشقي… كاتب.. وكتاب..

ليس غريبا على أبي حازم ، أن يكتب عن دمشق ، وقد احتضنته طفلاً.
درج في ساحاتها ، ومدارسها، ونهل من جامعتها وقصورها الثقافية، بل وترك بصماته في عديد مؤسساتها ، وبنى فيها عائلة رائعة ، وقد جاور قاسيون ، يصابحه ويماسيه ، فيكحل عينيه بقبلات تخطفها الشمس من شموخه…
ليس غريبا أن يسكب الجهد والوقت، مستقصيا، باحثا عن جذور عشقه الأول والغصون، عن كل ما يتصل بشكل أو بآخر بالتي ((كتب حبها في شغاف القلب ، ونسجت اسمها بأهداب العيون ، وحنايا الروح، وطرّزت مجدها وسموها على الجبين …دمشق .. )) كما تصدر إهداؤه كتابه الجديد ،، البيت الدمشقي ..مظلة الفيء والرطوبة ..قراءة في أدب نزار قباني ،، دار المقتبس –
بيروت ودمشق ٢٠٢١..

لكل ما سبق وغيره كثير، وجدتني أعنون مقالتي هذه ب”العشق الدمشقي”، متمنيا أن يكون العنوان الفرعي لكتاب الصديق غسان الكلاس المذكور “مظلة الفيء والعشق”…فبيوت دمشق ، تفيء بالمحبة والتوادد ، عبر تواصلها وتشكيلها العمراني ،الداخلي والخارجي ، وهذا ما توقف الكاتب عنده بمزيد من العناية والشروح، قبل أن ينكب على التمحيص في أدب نزار قباني ، وتغلغل عبق سكناه طفلاً وفتىً، في واحد من هاتيك البيوت العريقة، في حي
مئذنة الشحم ، المتميزة بطرازها وبأهلها وحيواتهم الاجتماعية التليدة .

على مدى ١٦٠ صفحة من القطع العادي، تتوزع مقدمة الكتاب، والتمهيد لفصوله الثلاثة ، فضلا عن خاتمة وملحق غني بصور لمملكة نزار النباتية.. مذيلة بأسمائها باللغتين العربية والإنكليزية

يباشر الكاتب غوصه في ثنايا موضوعه بالحديث عن البيت الدمشقي، فيدخله من بابه العريض، ليجول بنا مع مواصفاته العمرانية، ودلالاتها الاجتماعية في هذا الطراز البنياني المتناسق وظيفيا وحياتيا، وهنا يفرد صفحات تمهيدية، يتوقف عبرها عند التراث الملتصق بمكونات البيت الدمشقي، وعلاقة نزار الحميمية به، حتى إنه استحضر فرش بيته اللندني من الشام، ليشع سحرها منه، فيعرف بداية مفهوم التراث في أكثر من لغة عربية و إنكليزية،
فرنسية وإسبانية، ثم يفرق بين التراث المادي واللامادي ، من عادات وتقاليد، ترويها حكايات كامنة في ثنايا حضارة سورية تحت كل حجر أو ذرة تراب، أثر يروي حكايا الأقدمين ، من ماري… إلى أفاميا.. إلى تدمر) .

وكاتبنا لايقصر بحثه على البيت الدمشقي منفردا ، وإنما يلج بنا إلى عمق النسيج العمراني الفريد الذي ميّز دمشق كأقدم مدينة في التاريخ، تراه يتفحصه لا من خلال الحي الدمشقي، بل من خلال حارات الشام، كنسيج متكامل الروعة والإبداع ، عندما يتوقف مليا عند سحر المكان نسيج الحارة الدمشقية كما فروع الشجرة في تناسق وتكامل، بل في تعايش وتكافل.. سحر المكان ، نعم… ألم يأخذ سحر دمشق الخلاق بلب شاعرها ، نزار قباني مرتكز أبواب الكتاب ومضمونه ؟؟!!!

كما يتوقف مع سيرة الشاعر القباني التي خطها بيراعه الدمشقي، بل بأحاسيسه ومشاعره الشامية ، فترى مفردات ذاك السحر حاضرة، ولا تنفك تغادر سطورها حتى حين لفته سحر المكان الباريسي ، أو في غرناطة وإشبيلية وغيرها كثير مما تردد من ألفاظ دمشقية في شعره أيضا حتى إنه يحصيها بجهد متفرد، بنحو 200 مفردة .

وليست المرة الأولى ، التي يكتب فيها الكلاس عن دمشقه، ورجالاتها، فكتابه هذا ،،البيت الدمشقي ،، وإن فاز بجائزة العلامة الكبير خير الدين الأسدي ٢٠٢١ من جمعية العاديات بحلب ، فقد سبقه من بين 12 مؤلفاً أدبياً، نتاجات عدة : كتاب “دمشق : قراءات وإضاءات” فضلا عن ندوات وأبحاث أو برامج متلفزة سداها ولحمتها ، دمشق الشام ، وخاصة برنامجه لعام ٢٠٠٨ ،، قراءات …دمشقية ،، لمناسبة احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية .

وليست المرة الأولى أيضا التي يعطي فيها هذا ال ،”غسان الوفي” من جهده ووقته وفكره ، للحديث عن الشاعر القباني ، وقد ارتكزفي بحثه هنا ، إلى نحو 30 مرجعا، بينها بشروحات وافية تسهل الرجوع إليها ، وخاصة لدى توضيحه الهوامش المرجعية لما اقتبس في أسفل الصفحات، ما ينم عن نهج بحثي ، وعن الأمانة العلمية بآن معاً ..

وفضلا عما يماثل ما ذكر من محاضرات ونتاجات دمشقية ، سبق وصدر له كتاب “هوامش… على مفكرة عاشق دمشقي ،، الذي جرى حفل توقيعه في طهران ،حين كان الكاتب مديرا للمركز الثقافي السوري هناك ، وهو واحد من أبرز الفعاليات الثقافية التي خصها بنزار على مدى سنوات مهمته ٢٠٠٩-٢٠٠١٢ هناك أو ما قبلها ، حين تولى إدارة الثقافة بدمشق ٢٠٠٥- ٢٠٠٩ ، ولاسيما إقامة احتفالية في ذكرى رحيل نزار قباني ، شهدتهما دمشق وطهران تضمنت: معرض
صور فوتوغرافيا عن نزار قباني من المهد إلى اللحد ، بالتوازي مع معرضي كتب ، أحدهما لإبداعات نزار ، والآخر لما كتب عنه …
ما أبهاك أيها ال “الغسان ،” وأنت تمتطي جواد البيان ، تحلّق
في فضاءاتك الأليفة إلى قلبك، فتبدع في “عشقك الدمشقي” فكيف إذا ما تمنينا ممارسته عن بعد عبر أطروحتك للدكتوراه التي تحضر لها وأنت في البرازيل، فتصل عبرها دمشق بالبرازيل، كما وصلها نزار بالأندلس، فتتحفنا بكل هو أروع وأروع….

سعد الله بركات

اترك تعليقاً