أدب وفكر وماذا بعد؟

حِكَم غير معمول بها

حدّثني جدي قال: يحكى أنّ كسرى أنوشروان ملك الفرس خرج من قصره العظيم ليتفقد الرعية وأخذ بصحبته وزيره الأول ليرافقه في هذه الجولة التفقدية على أبناء الرعية. وبينما كانا يسيران في الطريق الخاوية, وفي مكان من البادية, شاهدا رجلاً عجوزاً, ينكش الأرض ويزرعها, عندها قال كسرى لوزيره: سَلْ هذا الرجل ماذا يفعل؟ ففعل الوزير, فقال الأعرابي: إني أزرع التمر. قال كسرى: ومتى يثمر هذا؟ قال الأعرابي: يثمر التمر بعد أربعين عاماً.

قال كسرى: وكم لك من العمر أيها العجوز؟ قال الأعرابي: ثمانون عاماً. قال كسرى: وهل تأمل أن تعيش لتأكل ما تزرع؟!! قال الأعرابي: يا سيدي… “زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون”.

قال الملك كسرى لوزيره احشُ فمه درّاً. فأعطاه الوزير مالاً كثيراً, فبكى الأعرابي, قال كسرى: ويحك.. لماذا تبكي, وقد أعطيناك مالاً كثيراً؟ قال إني أبكي لأنك تعيّرني بأني أزرع ما يثمر بعد أربعين عاماً, وها أثمر لتوه, فقال كسرى لوزيره احشُ فمه درّاً ثانية. فأعطاه الوزير مالاً كثيراً ثانية, فبكى الأعرابي مرة أخرى..استغرب كسرى وقال: ما هذا يا أعرابي؟ نعطيك فتبكي؟!! فقال الأعرابي: يا سيدي… كيف لا أبكي وأنت تعيّرني بأنّي أزرع ما يثمر بعد أربعين عاماً, وها أثمر لتوّه مرتين؟ ! فقال كسرى لوزيره: احشُ فمه درّاً ثالثة, فقال الوزير:
“تنفدُ خزائن كسرى ولا تنفدُ حِكَمُ هذا الأعرابي”.

قلت لجدي: الله يا جدي ما أروع هذه الحكاية!! وما أعظم حكمة هذا الأعرابي! حقاً إنك لرجل عظيم, تحمل حكمة هؤلاء الحكماء…
فابتسم جدي ابتسامته المعهودة, الهادئة الوادعة, وقال: ولكن لا تنس أنه مثلما تزرع تحصد, ومن يزرع الشوك لا يحصد العنب…
فافعل يا بني لنفسك وكأنك تعيش ليوم واحد, وافعل للآخرين وكأنك تعيش الدهر كله..

د. جودت إبراهيم

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.

اترك تعليقاً