أدب وفكر قصص قصيرة جداً

شجرة الزيتون

قرر الأخوان صبحي وشعلان أن يقسما الأرض. فيما مضى كانا يعملان بها شراكة. وكانا فرحين بذلك، حتى إنّ الجيران كانوا ينظرون إليهما بغيرة وحسد، علاقة رائعة، وجهد مشترك مثمر، وكانت محاصيلهما هي الأوفر والأحلى، والأغلى سعراً. وكان يحلو للبعض أن يعزو ذلك لحالة الوفاق والمودة بينهما، فالله يعطي المتحابين بيد سخية. والآن وقد كبر الأولاد، قررا أن ينهيا الشراكة بينهما. فقال صبحي: فليكن، لكن بشرط أن يكون ذلك بكل محبة. ووافق شعلان على ذلك. وصباحا وقبل شروق الشمس كانا في الأرض، يقيسان. قال صبحي: حصتي دونمان ونصف وهذا يعني أن الأرض حتى شجرة الزيتون لي. والأرض مزروعة كلها أشجار لوز، باستثناء شجرة الزيتون هذه التي أثارت فضول كل من ينظر إليها، لشدة ما تحمل. زمّ شعلان شفتيه، وحك ذقنه، وقال: لكن هذه الشجرة أنا زرعتها واعتنيت بها. ربت صبحي على كتف شعلان: كانت الأرض لنا معاً، وقمنا بزراعتها معاً، ولا أذكر من زرع هذه الشجرة، كنا نعتقد أن كل ما زرعناه هو أشجار لوز، ولكن الصدفة لعبت دورها بهذه الشجرة، ربما لتبارك الأرض… وهنا احتد شعلان قليلا: قلت لك أنا من زرعها. هل أنا كاذب؟ حضن صبحي شعلان: أنت لا تكذب… ولنفترض أنك زرعتها، ولكنها بعد القياس وقعت في أرضي، فهي لي بكل بساطة، وأنت من اقترح التقسيم، ولست أنا، أنا أحبُّ على قلبي أن نستمر بالشراكة. وهنا وقف شعلان متمسكا بجذع الشجرة: بعد هذا الكلام، أن مصرٌّ على التقسيم، ومصرّ أيضا أن آخذ هذه الشجرة… هي لي وبأرضي وتقسيمك خاطئ .. وغادرا الأرض، كل في اتجاه.

في اليوم التالي، جاء الأخوان مصطحبَيْن مسّاحاً. وقفا متباعدين يراقبان المساح وهو يقوم بعمله. وأخيرا حدد لكل منهما حصته. وودعهما. قال صبحي: هل رأيت؟ الشجرة من نصيبي، لو كنتَ قد اقتنعت بقياسي لكنا قد وفرنا أجرة المساح. أحسّ شعلان بالفرح الذي بدا يموج بصدر أخيه، فأثار هذا غيظه: قلتُ لك هذه الشجرة لي، ولن تأخذها إلا على جثتي. نظر صبحي فرأى في عيني أخيه بريقا غريبا مخيفا، فحمل فأسه وهجم على الشجرة يقطعها وهو يصيح: لن تكون لك، إنها ضمن أرضي. حاول شعلان أن يمنعه لكن جسده الناحل لم يساعده. فابتعد عن الشجرة، والتقط حجراً كبيراً، ورماه به ، فأصابه في رأسه. وقع صبحي على الأرض، وسال الدم . فيما وضع شعلان يديه خلف ظهره وراح يزفر: قلتُ لك إنها لي. استند صبحي على جذع الشجرة، ونهض بصعوبة، وهجم على شعلان وضربه بالفأس.

وبهذه الطريقة الأخلاقية حلّا نقطة الخلاف…

د.جرجس الحوراني

عن الكاتب

جريدة حمص

جريدة حمص أول صحيفة صدرت في مدينة حمص – سوريا عام /1909/ عن مطرانية الروم الأرثوذكس لتكون لسان حال المدينة.

اترك تعليقاً