ثقافة

كتاب الأقدس – دراسة مقارنة للدكتور منذر الحايك

نص إنساني بغاية الشفافية
يخاطب النفس بكل ما فيها من خير أو شر

صدر حديثا كتاب جديد بعنوان الأقدس- دراسة مقارنة للدكتور منذر الحايك وهو الكتاب الثالث من سلسلة كتب مقدسة، ويأتي بعد أن صدر الكتاب الأول الذي تناول “الزبور” أو مزامير داود، والكتاب الثاني الذي كان حول كتاب “كِنزا ربّا” كتاب المندائيين المقدس. إن الهدف النهائي من هذه السلسلة، والتي ستشمل عدداً كبيراً من الكتب المقدسة، هو وضع قاعدة لموسوعة مقارنة للأديان تنطلق من كتبها المقدسة، ومن المتوقع بأنها ستخرج بنتيجة مهمة جداً وهي وحدة القيم والأهداف البعيدة لتلك الأديان جميعاً، لأنها تدعو بغالبيتها العظمى للإيمان بإله واحد خالق رحيم، وترجو كلها خير الإنسان وراحة نفسه، ومنها وربما أحدثها كانت الديانة البهائية التي تعد “كتاب الأقدس” الأكثر قدسية بين ألواحها وكُتبها.
إن جُل العمل في هذا الكتاب كان في الدراسة المرفقة بالنص الأصلي لكتاب الأقدس الذي وضِع كاملاً، ولأن المؤمنين به يعدونه مقدساً فلا يجوز حتى تصحيح أخطائه إن وجدت، فهذا ما تم الالتزام به، في حين أُبدِيت كل الآراء النقدية ضمن الدراسة، أما التصويبات اللازمة فقد أشير إليها في الحواشي دون المساس بالنص مطلقاً. إن أهمية هذه الدراسة تنبع من تسليطها الضوء من وجهة نظر جديدة على نص كتاب الأقدس، وقد تكون مغايرة لما يراه البعض، أو غير مناسبة للبعض الآخر، لكن من الواضح أنها كانت علمية وموضوعية، وأهم شيء أنها غير تقليدية. لقد تمت دراسة نقدية للنص مع مقارنته بما سبقه من نصوص مقدسة بمنهج علمي شفاف يقوم بطرح كل الآراء المؤيدة أو المعارضة، مع تحليل للوقائع ومنعكساتها. مع جهد واضح لمتابعة مصادر النصوص ومنابعها الأصلية، ومكامن الأفكار الأولى التي انطلقت منها البابية ومن ثم البهائية، ومتابعة لجوانب التأثير والتأثر، دون إغفال الإيجابيات كما السلبيات في أحكام كتاب الأقدس.
تُبين الدراسة أن كتاب الأقدس لا يستحق القراءة فقط بل التمعن والغوص في معاني ومقاصد نصوصه، ليس للمؤمنين به بل وحتى في حال عدم الإيمان وذلك لأهمية الاطلاع على آراء الآخرين الدينية ومقارنتها مع الأديان الأخرى. إنه كتاب يعطينا فكرة عن الشغف الديني المنعتق من كل إرث سابق، الباحث عن تعاليم جديدة تناسب الحياة الجديدة التي كان العالم بكامله يقدم عليها في عصر تنزيله بأواخر القرن التاسع عشر، ذلك العصر الذي شهد انقلابات علمية واجتماعية وسياسية عظمى.
ونتعرف من خلال الدراسة التمهيدية كيف أن بهاء الله جسَّد قِيم المظهر الإلهي في حياته الدنيوية، وفي تعاليمه وأحكامه الدينية أيضاً. ومع أننا قد لا نؤمن بدعوته فإننا لا بد أن نلاحظ: أنه قد امتلك من الإيمان بقضيته ودينه ما جعله يتغلب على اضطهاد ونفي وسجن طوال، وقد صبر وقاوم مع قلة قليلة حتى تمكن من تحقيق بعض ما أراده في حياته، وقد تكون الصورة اكتملت أكثر الآن، بالنسبة للدعوة البهائية، لكنها تبقى دون ما طمح إليه بهاء الله من تحقيق دعوة عالمية تشمل مجتمعات بأكملها.
لم تكن الدراسة في وارد التهجم والانتقاص من البهائية أو كتابها الأقدس، فالمهاجمون كُثر وكتبهم وبحوثهم أكثر من أن تحصى، كما أنها لم تحاول الدفاع عنها أو محاباتها فكتب أتباع البهائية والممجدين بها كثيرة جداً في هذا الخصوص، لكنها اتبعت منهجاً علمياً في النقد المقارن، بينت فيه ما للبهائية وما عليها من خلال نصوص كِتابها الأكثر قداسة “كتاب الأقدس”.
في الحقيقة إن العمل على كتب مقدسة هو عمل في صلب المعتقدات الدينية للبشر، ولذلك هو محرج ومقلق، فقد يُعد الباحث فيها متطاولاً ومعتدياً على حقوق تكفلها القوانين أحياناً ويحرسها غالباً العرف الاجتماعي، وفي مفهوم الأغلبية المطلقة من المؤمنين أن الأديان لا تُنتقد بل لا تناقَش، لكن إذا تسلحنا بالوعي والفكر الحر المتفتح يمكن أن نتحاور مع الجميع وحول كل الأفكار بما فيها الدينية، ويمكن لكل منا أن يقول رأيه بموضوعية وعلم، وبكل الاحترام للآخر الذي لا نؤمن بمعتقداته، إن أهم ما في العلم أنه لا شيء ثابت فيه ولا شيء عنده لا يخضع للشك والبحث حتى يصل إلى يقين مبدئي مؤقت.

وأخيراً، فإن هذا الكتاب قد تمكن من تسليط الضوء على تاريخ ورجال الدعوة البهائية، ومكانة هذه الدعوة بين الأديان العالمية. كما أنه يشكل دعوة لقراءة أثر ديني جميل، بمعزل عمّا له من قداسة أو عدمها، فهو نص إنساني بغاية الشفافية، يخاطب النفس بكل ما فيها من خير أو شر، كما أن نصوصه التي صيغت بدرجة عالية من الوضوح والدقة والقرب من الأفهام، لا تحتاج بغالبيتها الساحقة إلى أي شرح أو توضيح. مما يتيح فرصة لغير المؤمنين به، لقراءته والتمعن في روحانياته بعيداً عن أي مؤثر ديني أو معتقدات سابقة، فهي ذات قيمة بحثية كبيرة لأنها تعطينا فكرة عن واحد من أحدث أنماط التفكير الديني للبشرية، فالأقدس هو أحدث كتاب مقدس في العالم.
كما يشكل مجالاً للمهتمين والمتابعين لمقارنات ودراسات تحليلية لا تنتهي بين هذا الكتاب والكتب المقدسة القديمة والتي يمكن أن تكون هذه الدراسة مفتاحاً ومحرّضاً لها.

عبد الحكيم مرزوق

الكتاب الأقدس- دراسة مقارنة
الدكتور منذر الحايك
الناشر: دار صفحات للنشر والتوزيع، دمشق- دبي

اترك تعليقاً