كان آخاب (1) ملكاً على المملكة الشمالية من فلسطين، وهو أشرّ الملوك إذ أفسد بكفره كل شعبه تقريباً وتزوّج بإيزابيل (2)، وبنى حسب طلبها مذبحاً للبعل إله الصيدونيين، وأجبر سكان مملكته أن يعبدوه، وانتشر الشر والكفر في أيامه.
وظهر في أيامه النبي الياس، فقد وُلد في مدينة تشبيت (3) في أرض جلعاد(4) من سلالة كهنوتية، وكان متنسّكاً يقطن في البراري ويلبس فروة من جلد خروف، متمنطقاً بمنطقة من جلد على حَقوَيْه. وتفسيراً اسمه بالعربية (إلهٌ قويٌّ) أو (إله ربٌ) وقد شُبه كلامه بالوعظ والتوبيخ , بمصباح يتقد. ولعظم غيرته على مجد الله التي تُشبّه بالنار ,لُقّبَ بالغَيــور.
ازداد الكفر في مملكة آخاب ازدياداً كبيراً فأتى النبي الياس إلى الملك وقال له باسم الرب: (حيٌّ الرب , إنّه لا يكون في السنين الآتية مطر ولاندى إلى أن أقول) وانصرف عنه .
ولم يمضِ الاّ القليل حتى تمّت نبوءته . فانقطع المطر والندى عن المملكة ثلاث سنين وستة أشهر وصار بسبب ذلك جوع شديد , فطلب آخاب إحضار النبي الياس ففتّشوا عنه فلم يجدوه، وكان قد اختبأ في البرية عبر الأردن بالقرب من نهر (كريث) وكانت الغربان تأتيه بالخبز واللحم صباحاً ومساءً ( ملوك الأول 17:3 ).
ولما نشف النهر ذهب الياس بأمر من الله إلى مدينة صرفة (5) ( ملوك الأول 10:17 ) وكان هناك أيضاً الجوع شديداً والتقى بامرأة أرملة كانت تجمع حطباً فقال لها : (أعطني ماء لأشرب وكسرة خبز) فأجابته : (حي هو الرب إلهك ليس عندي إلاّ ملءُ راحةٍ دقيقاً في الجرّة، ويسيراً من الزيت في القارورة سأصنعهما لي ولابني ونأكلها ونموت) فقال لها: لا تخافي اعملي فطيراً وائتي به إليّ وأمّا لك ولابنك فتعملين بعد ذلك لأن الله يقول (إن الطحين في الجرّة لا ينفد والزيت في الكوز لا ينقص إلى اليوم الذي يُرسل فيه الرب المطر على الأرض) فتمّ كلام النبي , وسكن عند الأرملة .
وبعد مدة وجيزة حدث أن مات ابنها الوحيد ( ملوك الأول 17:17 ) . صلّى الياس النبي إلى الله من أجله فقام حياً , فقالت الأرملة الآن علمت وأرى أنك رجل الله وإن كلام الرب في فمـــك حــق .
ولما شرع الشعب في التوبة ذهب النبي الياس بأمر الله إلى آخاب الذي قال له : أأنت مكدّر شعبي؟ (ملوك الأول 17:18 ) فأجابه النبي: (لست أنا ولكن أنت وبيت أبيك لأنكم تركتم وصايا الله وذهبتم وراء بعل) .
وعرض على الملك أن يجمع كل سكان مملكته وكهنة بعل على جبل الكرمل (6) ويحكم هناك من هو الإله الحقيقي . فلما اجتمع الشعب بأمر الله خاطبهم النبي قائلاً : (إلى متى تعرجون على الجانبين؟ إن كان الرب هو الله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه) فسُجَّاد الأصنام أخذوا ثوراً وذبحوه ووضعوا تحته الحطب وأخذوا يرقصون حوله ويصرخون يا بعل أجبنـا ( ملوك الأول 28:18 ) ومع هذا كله لم تنزل من السماء نار وتستجيب لهم . ثم أخذ النبي ثوراً وذبحه وبنى مذبحاً من 12 حجراً ووضع الحطب على المذبح ثم وضع الثـور وصلّى (ملوك الأول 36:18 ) : “إنك الإله الحقيقي وإني أنا عبدك استجبني يارب” . فنزلت للحال نار من السماء وأكلت الذبيحة . ففي الحال سجد الشعب وصرخ : الرب هو الله . في ذلك اليوم نزل المطر بعد ثلاث سنوات وستة أشهر .
فلما علمت إيزابيل بموت أنبياء بعل الذين أمر الياس بقتلهم , أقسمت أن تقتل النبي الياس فهرب إلى جبل حوريب (7) واختبأ في إحدى مغاوره . بعد ذلك أمر الله النبي الياس أن يرجع إلى بلاده ( ملوك الأول 15:19 ) لأن هناك سبعة آلاف رجل لم يسجدوا للبعل .
وعندما شعر النبي الياس بدنوّ أجله مسَح بأمره تعالى أليشع (8) نبياً وكان لايفارقه أبداً .
وفيما كانا سائرَيْن يتحدثان إذا مركبة نارية تقودها خيول نارية قد فصلَت بينهما وصعد فيها النبي الياس(9) في العاصفة نحو السماء ( الملوك الثاني 11:2 ) وكان هذا سنة 895 ق م .
وبعد ذلك أخذ أليشع رداء النبي الذي سقط منه وأتى إلى نهر الأردن ضرب به ( بالرداء ) المياه فانفصلت عن بعضها إلى شطرين وبانت اليابسة , وهذه العلامة على أن روح الله الذي كان على الياس النبي قد حلّ على تلميذه أليشع.
بالمناسبة لا تخلو مدينة أو بلدة أو قرية من وجود كنيسة تحمل اسم القديس الياس (مار الياس) تعيّد له الكنيسة في 20 تمـــوز من كل عام .
يمكن مشاهدة ترتيلة القديس على الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=WeuxnpYlpmk
5/5/2005 المهندس جورج فارس رباحية
المفردات :
(1)آخاب : ملك شمال فلسطين ( 874ـ853 ) ق.م انقادَ لعبادة الأوثان تحت تأثير زوجته.
(2)إيزابيل : ابنة أثبعل ملك الصيدونيين القرن 9 ق.م زوجة آخاب.
(3)تشبيت (تسبيت) : بلدة تقع على بعد 33 كم جنوب بحيرة طبريا.
(4)جلعاد : قديماً اسم البلاد الجبلية الواقعة في فلسطين بين الأردن والبادية.
(5)صرفة (صرفتا) : بلدة قرب صيدا.
(6)الكرمل : جبل يشرف على حيفا فيه دير شهير يعود للقرن 3.
(7)حوريب : جبل في سيناء تجلّى فيه الرب لموسى ومن بعده إلى الياس النبي.
(8)أليشع : من أنبياء إسرائيل أواخر القرن 9 ق.م
(9) الياس : اسم علم مذكر يوناني والسين فيه لاحقة باليونانية وهو تحريف لـ “إلياهو” العبري والمعنى : الله الأعلى ـ إلهي يَهْوَه ـ الرب هو إلهي.
المصـــــــــــــــــادر :
ـ السواعي الكبيرـ القدس 1886
ـ مجلة النعمة 1963
ـ الكتاب المقدس 1951
ـ المنجد في اللغة والأعلام 1973
ـ موقع على الإنترنت :
اترك تعليقاً