ألقى المهندس عبد الهادي النجار محاضرةً عن أحوال مدينة حمص في منتصف القرن السادس كما وردت في السجلات العثمانية المعروفة بدفاتر التحرير، وكما وصفها مخطوط رحلة النهروالي. وذلك في مقر الجمعية التاريخية بحمص يوم السبت الواقع في 8/تموز/2023
وجاء في المحاضرة أن حمص في منتصف القرن السادس عشر كانت مدينة صغيرة تتبع لولاية حلب، ويبلغ عدد سكانها في تلك الفترة نحو 20 ألف نسمة، موزعين ضمن أزقة تتبع خمسة أحياء كبيرة أو محلات.
ومن أجل تحديد الوضع العام والموارد الضريبية في المناطق التي أصبحت تحت سلطة العثمانيين، أُنجزت تعدادات عامة للسكان والمهن والمنشآت لحفظها في السجلات الرسمية المسماة بدفاتر التحرير. وخلال القرن السادس كان هناك أربعة تعدادات في المدينة، في أعوام 1516 و1526 و1552 و1570.
كما وتشير دفاتر التحرير هذه إلى أن البيمارستان النوري كان المشفى الوحيد في حمص خلال القرن السادس عشر. أما المؤسسات التعليمية فشملت المدارس النورية والكوجكية والحسامية والعصرونية، كما كانت توجد مجموعة من الخانقاه والتُرب والزوايا والمكاتب التعليمية.
والجدير بالذكر أن دفتر تحرير عام 1552 يحصي وجود 20 مركباً للنقل في نهر العاصي، كما كان الصيد في بحيرة حمص (قطينة) يجري لقاء ضريبة سنوية بنظام الإقطاع. وكذلك يرد ذكر ستة طواحين على نهر العاصي يُستوفى منها الضرائب.
أما تجارياً، كانت المدينة تضم 5 خانات وهي (خان القصابين- خان دنغز -خان الدالي -خان الجديد -خان الطحين وخان اللبن)، إلى جانب عدد من الأسواق الصغيرة مثل سوق الحدادين وسوق النجارين.
ولا بد الإشارة أن صناعة النسيج احتلت مكانة مهمة للغاية في اقتصاد حمص، وكان الحرير الذي يصل إلى المدينة يوزن ويستوفى عنه “فريضة الميزان”. ولا يفوتنا أن ننوه إلى وجود 14 حمام عام في مدينة حمص خلال القرن السادس عشر.
كما وتطرق المُحاضر إلى رحلة قطب الدين محمد النهروالي، وهو رجل دين كان يقيم في مكة ويوصف بأنه “مؤرخ الدولة العثمانية”، وكان قد قام برحلة في نهاية عام 1557 من مكة إلى إسطنبول في إطار “مهمة دبلوماسية” لمناشدة الباب العالي لإقالة مسؤول عثماني محلي. وخلال رحلته دوّن معلومات قيّمة عمّا شاهده في الحواضر التي مرّ بها، بما فيها مدينة حمص.
وكان النهروالي وصل حمص يوم الأحد 6 شباط 1558، فوصف سورها وقلعتها وعدد سكانها. ثم ذكر الأرصاد الموجودة فيها، وهي طلسم العقرب المشهور، وطلسم الدبور، وطلسم النمل. وزار النهروالي عدداً من المزارات في مدينة حمص، لا سيما تربة خالد بن الوليد.
ويذكر النهروالي أن أمير حمص وحاكمها يونس بك كان أميراً للحج الشامي بين أعوام 1556 و1558، فيما كانت إمارة الحج الشامي تُمنح عادة لنائب (والي) الشام أو أحد كبار موظفيها. ويصف النهروالي عدداً من المباني في مدينة حمص مثل جامعها الكبير والتكية الرستمية، كما يذكر اجتماعه بعدد من رجالات المدينة.
وفي حديث لجريدة حمص، أشار المهندس عبد الهادي النجار إلى أهمية الوثائق المحفوظة في السجلات الرسمية والمخطوطات التي بدأت تظهر مؤخراً، وتقدّم معلومات هامة عن تاريخ مدينة حمص ومعالمها وأعلامها. وأكّد النجار أن المعطيات الجديدة تسمح بتصحيح الكثير من الأخطاء في كتب تاريخ حمص، على الرغم من كل ما بذله المؤلفون من جهد لتقديم أفضل المعلومات التي كانت متاحة في زمنهم.
اترك تعليقاً