أدب وفكر

حمص؛ وورْد، والقصيدة
والشَّجَرُ لا يُجيزُ إقصاءَ العصافير

قَبْلَ أَنْ تَلْفَحني تخومُها بقليل

كان غمامُها المُهادِنُ يتسلّل إلى سفوحي

هَذيانُ انتظارها.. أَرْبَكَ خطواتي إليها

هي ريحٌ ولكنّها أمطرتني بالسَّحاب

شَرِبَتني وأنا لستُ عنباً

هي قصيدتي التي يبدو أنها اكْتملَتْ

كثيراً ما بَحَثْتُ عن منازِلها

ومَدْفَنِها وقاتِلها

ضَوَّأتُ بقناديلي

على تلك العينينِ

اللتين خلخلتا معاقِلَ الرجال

عِشْقُها غزيرٌ وحكاياتها أَغْزَرُ

يواصلُها من لا يعرفُ الوصال.

عندما كان اليقينُ قَلِقاً

زَرَعَتْ حكايتَها على بيادِرِ الزمان

يا لَتَشابُهِها مع جبين أُمّي

الذي يزورُهُ الحقلُ كُلَّ صباح

قارئاً سُوَر التَّعب والإيمان

طوابيرُ من العسس ألْهَبَتْ جبهتي بأِشيائهم

ولكنني لم أَتُب عنِ امّحائي بها

هي بَرّيةٌ تَغْتَصِبُ انعزالي

وأنا أعشقُ وِساداتِ نومِها

كثيرون وقفوا على حوافّ الطريق

يرقبون انطفاءَ حريق القصيدة

لكنْ لا وقْتَ لذلك.

يا كَمْ نَصَحْتُ الماضي

أَنْ يحتمي منّا.. من مُسْتَقْبَلِهِ

ولكنّه مازال عالقاً بقمصاننا

يمنحنا ألقابَهُ

مرّةً أخرى

أيتها الموغلةُ في رمال أصواتنا

الراقدةُ على شطوط الحكايات

تنتظركِ غواني الجبال

لتُلبِسيها الخلاخيلَ

لِتَلُفّي على أعناقها سلاسلَ النور

أَعْذُرُكِ عندما حَطَّمْتِ ألعاب قلبي

لأننا مازلنا طفليْن

يَشْطُرُهما شوقُهما للنُّضج الواهم

يَحْلُمانِ بأن تَصُبَّ امرأةُ الروح

خمُورَ صدرها في كؤوس الحياة

مَنْ منكما تَجَنَّى على الآخَر

هل هو جنونُ الحبّ

أم جنونُ السكوت.

لقد تناثرتِ الرواياتُ كُلُّها على شُرْفَتِكِ

وربما يكفيكِ أنّكِ سلطانهُ الهوى

وكبشُ فداءِ الغضب الأرعن.

يا حمصُ.. ويا وردُ.. ويا القصيدةُ

متى سيكون موعدُ الموسم

سأكونُ أوَّلَ القاطفين

أكونُ كذلك

لأنّ دمي يَعْتَنِقُكم

ولنْ تَمَلَّ شُهبي أبداً

منَ الدَّورانِ في آفاقِكم

شفتايَ سنبلتان

وأَبْحَثُ عن سكينٍ هادئةٍ لقطاف الوجع

يا ورْدُ ويا القصيدةُ

للأشياءِ لغاتُها

للزورقِ حكاياتُهُ مع الزَّبدَ، والمدِّ والجَزْرِ

ولحروف الأغاني   أسفارُها في دفاتر العشّاق

**

ويا أنتِ يا ورْدُ الأُخرى

ليس بمقدوري إلاّ أنْ تكوني

بسمةً فوق شفاهي

يبدو أنّكِ لستِ من أسراب حمائمي

ولكنني لن أُقَدِّمَ صُكوكاً بالعقوق

قلمي لا يستعيرُ حِبْراً إلاّ من أَتعابِهِ

أطوفُ وأحاور صامتاً وملمِّحاً

ولكنني لا أُلَبّي إلاّ ما يُرضي كرامةَ العاشق

لا مَصَبَّ لي إلاّ ينابيعي

وعندها فُسحةٌ لكثيرٍ من الظامئين

عندي يقينٌ أن هذه النخلةَ الوارفةَ

سأقتسمُ معها ثمارَها

والشَّجَرُ الكريمُ لا يُجيزُ إقصاءَ العصافير

ربما ستُطفئونَ نيرانَنَا بِجَمْركمْ

غامضونَ أنتم

ولكن لكلِّ ليلٍ حِكْمَتُهُ

ولكلِّ خمرٍ حنينُهُ للكروم

أَغُصُّ عندما أذكُرُكُم

وستروْنَ في الفُرَصِ القادمةِ

أنني مصدرٌ أصيلٌ للغمام

وللحبِّ قابليتُهُ للبحث الدائم

ولا تبرئةَ لأيِّ كائنٍ من هذا الجحيم الجميل.

توفيق أحمد 

اترك تعليقاً