عندما تلتقي بالفنان رامي جبر، تراه رجلا خجولا قليل الكلام، يميل لمتابعة النِّقاش الدائر في الجلسة، أكثر من ميله للمشاركة فيه.. بالطَّبع، فهو يقوم بتسجيل المشاهد في مخيلته ليثري تلك الذاكرة الفنيَّة الاجتماعيَّة التي يمتلكها، والتي تخزِّن الصُّور المشهديَّة، وتقوم بتخميرها لفترة متفاوتة من الزَّمن، ليعود ويصنع منها مشهدا كوميديا إفراديا سلسلا بسيطا، ولكنَّه مُعبّأ بعناصر النَّقد الاجتماعي.
من خلال الفيديوهات القصيرة التي يقوم بتحضيرها، تقريبا لوحده، وبأبسط المعدّات والدَّعم التّقني، يفرد لكم مساحة من النَّقد الاجتماعي الأبيض، حيث يلتقط الكثير من المشاهد الاجتماعيَّة التي تستحق التَّفصيل للنَّقد، ولكن لا يقوم بتشريحها ولا يُسيلُ دمها، بل يحوِّلها بطريقة “العفويَّة” إلى ابتسامة حتّى على وجه من تتناوله، لأنَّه لا يستخدم التَّقريع في التَّعاطي مع الشَّخصيَّة أو حتى الطَّبع والتَّصرُّف، ولكنَّه يستجلب منها استجلابا ما يمكن أن يسكن فيها من هواجس وأسباب عميقة، ويعرضها على المجتمع بما فيه صاحبها بالتّأكيد، بتبسيط ومبالغات ملهمة، كثيرا ما تتَّخذ طابع تكرار الاحتمالات المتصاعدة، باتِّزان دقيق في العدد والمحتوى، فيترك المشاهد مترقبا للمزيد، خاصَّة عندما يقطِّع المشاهد والعبارات بطريقة متراكمة سريعة أحيانا، توحي بلعثمة الأفكار أو بتعثُّرها، وهكذا يعطيها بعدا أكثر لأنَّها تستقرُّ في موقع البحث عند عقل المتلقي.
مرت فترة على الفنان رامي كان يضع فيها صورته مقلوبة على التَّواصل الاحتماعي، في لفتة لا تشي بأنَّه يعيش معاكسا للتيار، بقدر ما تخبرك بأنَّه يرى المجتمع وكأنّهُ يسير على رأسه، وهذا ما أشاركه فيه أنا على الأقل.. شخص متحفِّظ في حياته الاجتماعية العامَّة، لا يعطي تلك المساحة الحرَّة لنفسه في التَّعاطي مع النَّاس إلا في دوائره الصَّغيرة الضَّيِّقة، التي يتصرف فيها بطريقة مختلفة تماما من الانتعاش والحريَّة في النُّكتة والتَّحريك، يقرر فجأة أن يقلب الطّاولة، ويحوِّل تلك الدَّوائر الضَّيقة، لدائرة كبيرة يشارك فيها بشغف وحب وزخم أيضا، كل النَّاس صانعا منهم شلَّته الكبيرة، أو عائلته ربَّما، لأنَّهُ يحبُّهم بقدر ما يعتب عليهم.. من خلال نمط درامي جديد في “صناعة المحتوى” لا يسعك التَّنبُّؤ بمسيرته المستقبليَّة على الدِّقة، فقد يحمل الكثير من المفاجآت والإبداع.. وهو يَعِدُ بذلك على كل حال.
إنسان أبيض يقدم مشهدا ساخرا أبيضا أيضا، ملتصقا بالواقع، في مقدرة على استنباط الشَّخصيَّة الفرديَّة أو حتَّى الجماعيَّة أيضا أحيانا، فهو غالبا لا يتحدَّثُ عن أشخاص بحد ذاتهم ولكن عن ظواهر من خلالهم، وإن كان أيضا يطرح بنقده أحيانا الظَّاهرة بحد ذاتها، ولا تغيبُ عنه القضايا الكبيرة تلك التي تعني الوطن أو الأمَّة، وفي هذا نبل وتصالح مع الهويَّة.
شخصيّا وأعتقد أن معظم متابعي الفنان رامي جبر يعودون لمتابعة بعض فيديوهاته مرارا، وينتظرون منه المزيد.
يزيد جرجوس
اترك تعليقاً