منوعات

القديسان الشهيدان سركيس (سرجيوس) وباخوس (+303م)‏

كان سرجيوس وباخوس من نبلاء روما، وقد شغلا مناصب عسكرية مهمة رغم صغر سنهما في زمن الإمبراطور مكسيميانوس . وكان أن دعا الإمبراطور ، مرة ، على عادة أباطرة ذلك الزمان ، إلى تقديم الذبائح للآلهة الوثنية تعبيراً عن الولاء لسيد العرش ، فمثل كل الأعيان وقادة الجيش لديه إلا سرجيوس وباخوس. ولما استطلع الإمبراطور الأمر عرف أنهما مسيحيان. لسان حالهما كان : ( نحن لا نخدم إلا في جيشك الأرضي، يا جلالة الإمبراطور. أما التنكر للإله الحقيقي الوحيد الذي نعبد وتقديم العبادة لآلهة لا حياة فيها فلا الحديد ولا النار يمكن أن يجبرانا عليه…..) فاغتاظ الإمبراطور غيظاً شديداً ، وأمر للحال بنزع أثوابهما وخاتميهما وكل علائم الرفعة عنهما وبإلباسهما أثواباً نسائية. ثم وضعوا أغلالاً حول عنقيهما وساقوهما وسط المدينة للهزء والسخرية. أخيراً أمر الإمبراطور بترحيلهما إلى مدينة عند نهر الفرات اسمها بالس , كانت مقر حاكم المشرق , أنطيوخوس, إذلالاً لهما ، إذ إن أنطيوخوس هذا كان قد خدم تحت إمرة سرجيوس ، وكان مشهوراً بشراسته وعدائه للمسيحيين.

حاول أنطيوخوس أمام رئيسه السابق أن يتذاكى فجعله كبر سرجيوس وباخوس وثباتهما يشعر بالضعف والعجز والصغر كما لو كان قزماً , فتحوّل , إذ ذاك ، إلى وحش مفترس ، فألقى بسرجيوس في السجن وسلّم باخوس للمعذبين الذين ضربوه ضرباً مبرحاً إلى أن فاضت روحه . أما سرجيوس فانتظر الحاكم بضعة أيام ، ثم ساقه إلى قرية سورية تعرف بالرصافة (1) قريبة من بالس ، وهناك أمر به فقطعت هامته . وقد أضحى المكان الذي دفن فيه سرجيوس مقاماً تتقاطر إليه الناس من كل صوب، حتى إنه أصبح مدينة وصار يعرف باسم سرجيوس : سرجيوبوليس ، أي مدينة سرجيوس. كما أن إكرام سرجيوس وباخوس انتشر في أمكنة كثيرة من المشرق. ويقال إن أول كنيسة بنيت له كانت في بصرى حوران سنة 512م.

كما بنى الإمبراطور يوستنيانوس كنيستين عظيمتين على اسم القديس سرجيوس (سركيس)، إحداهما في القسطنطينية والأخرى في عكا في فلسطين (القرن السادس). وهناك العديد من الكنائس والأديرة في لبنان وسوريا على اسم سرجيوس أو سرجيوس وباخوس معاً.

ويظن الدارسون أن إكرام هذين القديسين في بلادنا مردّه ، بصورة خاصة ، الخلفية الحورانية للكثير من الأسر المسيحية .

يذكر أن القديسين سرجيوس وباخوس كانا من أبرز القديسين الشفعاء لدى الغساسنة . من هذه المقامات ديرعلى اسم القديس (مار) سركيس (سرجيوس) بالقرب من دير سيدة كفتون الحالي التابع لأبرشية جبيل والبترون وتوابعهما (جبل لبنان) الأرثوذكسية. هذا يظن الدارسون أنه يرقى إلى ما بين القرنين الخامس والسابع .

تعتبر كنيسة القديس “سرجيوس” في “الرصافة” من أكبر الكنائس في المشرق العربي, وقد بنيت في عام /559/ للميلاد، وحالة الكنيسة اليوم تبدو فيها كتلة الأقسام الشرقية قائمة كلها تقريباً, حتى الحافة العليا من الدور الثاني. في الجهتين الشمالية والغربية من الكنيسة, ما زالت الجدران الخارجية قائمة حتى ارتفاع أعلى النافذة, ولهذه الكنيسة ثلاثة محاريب زينت أقواسها بالزخارف المنحوتة. ويبلغ طولها /42/م، وعرضها /34/م، وطول بهوها الأوسط /22/م، وعرض/10/م.

تخليدا لذكرى القديسين سركيس وباخوس ، تم بناء كنيسة باسميهما حوالي عام 325 م على أنقاض معبد وثني في أعلى قمة ببلدة ملعولا وحاليا بني قربها فندق سفير معلولا .

تُعَيّد الكنيسة للقديسين سركيس وباخوس في اليوم السابع من شهر تشرين الأول من كل عام

المفردات :
1 ـ الرصافة : سرجيو بوليس (رصافة هشام) تقع الرصافة في شمال البادية السورية جنوب غرب مدينة الرقة وتبعد عنها حوالي 65 كم وحوالي 25 كم عن الطريق العام حلب – الرقة إلى الجنوب الشرقي من مفرق مدينــــــة الثورة (الطبقة)، حيث يقع سد الفرات. ويمكن الوصول اليها أيضا عن طريق عام حمص ـ السلمية ، أو من حلب – الطريق العام باتجاه الرقة.

عن الكاتب

جورج فارس رباحية

جورج فارس رباحية من مدينة حمص، أب لأربعة أولاد.
مهندس زراعي متقاعد.
خبير محلّف لدى المحاكم.
لي كتاب أمثال حمص الشعبية.
هواياتي كتابة مقالات تاريخية، أدبية، زراعية، دينية، توثيق آثار حمص والأوابد السياحية في سوريا.

اترك تعليقاً